شعار قسم مدونات

إن فينا لجاهلية

BLOGS- جاهلية

يقول ابن خلدون" إن الأوطان الكثيرة القبائل والعصائب قلّ أن تستحكم فيها دولة"

جاهلية متطورة
هل بعد كل تلك القرون التي تبعدنا عن زمن الجاهلية وتقولين أنها ما زالت فينا؟ هل بعد كل العلم والتغيير الحاصل كماً وكيفاً وتقولين إن فينا لجاهلية !أقولها وبكل صدق أن الجاهلية وكأنها عادت بأقوى مما كانت، وغلب عليها القوة بما تناله من اهتمام وسعة انتشار بحكم التطور التكنولوجي الحديث، وإمكانية الدلو بالآراء سيئها وطيبها، لكل الأشخاص مهما كانت ثقافتهم، فالأصوات الجاهلة المحرضة بات لها وجود ولها قدرة على الوصول ونشر الفتن والإشاعات والكاذب المضلل من الأفكار، بما حققته لها مواقع التواصل، فهي جاهلية متطورة.
 

كيف هي الجاهلية الجديدة؟
حين صار الناس فرقاً وشيعاً، وكل منهم يثأر لشيعته وإن كانت على خطأ، وصار لكل فرقة رئيساً أو قادة يتبعهم الناس ويمجدونهم في كل الأحوال دون تمعن أو ترّوي أو تمحيص للآراء، فهو انقياد أعمى! وصارت كل فرقة تحارب الأخرى بلا أي احترام لاختلاف الآراء ولا تقبل لوجود الآخر، فأنا أكون وغيري لا وجود له، وقد شمل هذا التعصب المعتقد الديني أو المساحة الجغرافية أو الانتماء السياسي، أو حتى المستوى الترفيهي في عالم الرياضة وغيره، كما أنه لم يكن فقط على مستوى الدول، بل صار أَهل البيتِ الواحد ينقسمون على أنفسِهم، هذا يتبع فريقاً، وذاك يتبع آخر.

لتعتاد أعيننا على وجود الألوان، فحياة بلون واحد ليس لها رونق، وليس لها دوام، لهذا قد خلقنا الله شعوباً وألوناً ولهجات، لنتكامل.

مظاهر الجاهلية المتطورة
ففي فلسطين الحبيبة قتل الانقسام كل فضلٍ تمخض عن الجهاد ضد العدو، وكل شخص من الوطن قد اختار أن يكون من هذا الفصيل أو من ذاك، وانشغلت القلوب والضمائر بتأييد الفصيل والانتماء له قولاً وفعلاً، وباتت القضية الفلسطينية تائهة حائرة تتلاقفها الأيدي دونما اهتمام أو أدنى إنجاز يذكر، اكتفى المجتمع الفلسطيني بالتشدد لفصيله وآرائه وقادته في جاهلية قاتلة.
 

هذا الحال من الانقسام صار في كل بلد عربي كأنما هو هشيم قد ذراه الريح، ففي اليمن تدور الرحى بين الحوثيين وحلفائهم من جهة وبين الإصلاح وحلفائهم المعروفين من جهة أخرى، وفي سوريا ولبنان تدور المعارك الطائفية بين المسلمين السنة والأقليات الحاكمة، ومصر الكنانة التي أنهكها الصراع الداخلي بين بعض الجماعات الإسلامية والحكومة، وجارتها السمراء السودانية التي يعيش أهلها الحروب الأهلية والصراعات المتتالية، حتى انقسمت وصارت بلدين على أرض واحدة.
 

ولم يكن الصراع والتعصب قائماً بين الدول في الشأن السياسي فقط، بل تعداه لأقل من ذلك وأبسط، فكم من الفرق الرياضية تعصبت وقامت بينها المشاجرات والمشاحنات بشكل مارق لأجل فريق قد فاز أو فريق قد خسر.

ما الذي حدث؟
لقد جاء الدين ليلغي كل تلك المعتقدات الموروثة البالية من التعصب الأعمى، ونهض بذواتنا أجمل نهضة انعكست على مجتمعاتنا بانعكاس طيب، فغدت مجتمعات متحضرة ومتعقلة ومتعلمة ومتفتحة، ثم لم تلبث أن ذابت تلك الأرواح الطيبة التي تطهرت بالإسلام وتعاليمه، وعادت لتتدنس ومن جديد بأفكار الجاهلية الجديدة "المتطورة"، التي ربما استهوت ضعاف النفوس ليستميتوا في الدفاع عنها بدعوى الحرية ولكنهم في الواقع باتوا يعكسون أرواحهم الحبيسة الكسيرة بلا أي خلاص.

خطوة
وإن لنا أن نبدأ بذواتنا وننظر في أمرنا وتربيتنا لأبنائنا، نبدأ بتقبل الآخرين، ونتعلم فن الاستماع والتفاهم، لنجرب لعبة الوصول إلى نقاط التوافق، لنكون أكثر تفاعلاً وإيجابية ونتعلم أصول التنازل في الوقت المناسب، ولتعتاد أعيننا على وجود الألوان، فحياة بلون واحد ليس لها رونق، وليس لها دوام، لهذا قد خلقنا الله شعوباً وألوناً ولهجات، لنتكامل. هي دعوتي المتواضعة التي أثق أن كثيرين يتمنون معي أن تتحقق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.