شعار قسم مدونات

أوروبا واللاجئين.. هل هم ضحايا أم جناة؟

Blogs - refugee
سكان العالم بلغ عددهم 7 مليار و345 مليون إنسان تقريبا، منهم حوالي 10 ملايين ونصف المليون لاجئ، معظمهم مسلمون ومن بلاد عربية تحديدا. رغم أن أوروبا تمثل الوجهة المرغوبة عند أغلب اللاجئين، إلا أن الحقيقة أن تركيا وحدها تحتضن قرابة مليوني لاجئ، بينما لا يتجاوز عدد اللاجئين في جميع دول أوروبا مليون لاجئ..

لا يمكن لأي منصف أن ينكر المواقف الإنسانية الكثيرة من قبل الأوروبيون تجاه اللاجئين، من فرق الانقاذ إلى فرق التطوع لاستضافتهم وخدمتهم وتشغيلهم وادماجهم بالمجتمعات المضيفة، وكذلك التبرع ببعض المستلزمات التي يحتاجها القادمون الجدد وغيرها من الأمور. لكن لا يمكن كذلك تجاهل المواقف الأخرى – وهي كثيرة أيضا – التي تتسم بالعدوانية والتطرف والعنصرية واللإنسانية ضد اللاجئين، لدرجة بلغت حد تفكك الاتحاد الأوروبي وخروج بريطانيا منه وتهديد دول أخرى بالخروج بسبب أزمة اللاجئين.

النار ستحرق الجميع والدمار سيطال العالم كله.. لا يمكن لأحد أن يشيح وجهه عن معاناة الناس أينما كانوا، البشرية كلها معنية بوقف أي حرب.

من جهة أخرى.. هناك مخاوف حقيقية في المجتمعات الأوروبية من تدفق اللاجئين، أهمها مخاوف من أسلمة المجتمع، ومخاوف اقتصادية وهلع أمني بسبب تزايد الجرائم والعمليات الإرهابية التي يقوم بها مهاجرون أو مندسون بينهم حسب التقارير الصادرة من الدول الأوروبية نفسها. وفي المقابل، تشير تقارير دولية وإعلامية إلى انتهاكات صارخة بحق اللاجئين قامت بها مؤسسات أمنية رسمية وجماعات يمينية متطرفة ضد اللاجئين، والكل شاهد محاولات إغراق سفن المهاجرين واغلاق الحدود أمامهم وإجبارهم على المشي لمسافات طويلة عبر غابات وطرق غير آمنة، وحرق مراكز اللاجئين وغيرها من الجرائم التي يندى لها الجبين.. دون أن تهتز ضمائرهم لبكاء الأطفال وآلام الأمهات والمرضى وكبار السن.

أوروبا، صاحبة الأرقام القياسية في الحروب، تعرف جيدا معاناة الهجرة واللجوء، وبالإضافة إلى استفادتها كثيرا – خاصة ألمانيا – من بعض اللاجئين لسد عجزها السكاني، تشهد اليوم ممارسات مخزية تدل على انحدار قيمها الإنسانية وتراجع التزاماتها الأخلاقية بشكل مرعب.

وبعيدا عن المسؤولية السياسية في التسبب بالحروب الدائرة في الشرق الأوسط، ابتداء من دعم الكيان الصهيوني المحتل، وهو أساس المشكلة، مرورا بإسقاط نظم ودعم انقلابات عسكرية وتنظيمات إرهابية، وانتهاء بالتخاذل عن القيام بما يلزم لحماية المدنيين الواقعين تحت ميادين القتال. بعيدا عن الجانب السياسي، ثمة مسؤولية اجتماعية تقع على أوروبا كونها أحد الأسباب الرئيسة في صعود اليمين المتطرف وتنامي العداء ضد المسلمين وشيطنتهم بلا مبرر، بما تقدمه في وسائل الإعلام أو انتخاب لقادة متطرفون أصحاب خطابات شعبوية تضج بالعنصرية والكراهية. مع التأكيد على مسؤولية المسلمين أنفسهم عن هذه الصورة المشوهة أيضا، بسلوكيات البعض منهم، وصمت الأغلبية الساحقة وسلبيتها في التصدي للقلة المنحرفة التي تسيء للأمة بأكملها.

لا شك أن أوروبا عانت من أزمة اللاجئين، لكنها ليست ضحية على كل حال، فهي جزء أساسي من الفريق الفاعل والمشارك في صنع المشهد، كما أنها لن تفلت بالتأكيد من تبعات تخاذلها عن القيام بالدور المطلوب لوقف الحرب ونزيف الدماء في الشرق الأوسط، فالنار ستحرق الجميع والدمار سيطال العالم كله.. لا يمكن لأحد أن يشيح وجهه عن معاناة الناس أينما كانوا، البشرية كلها معنية بوقف أي حرب في أي مكان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.