شعار قسم مدونات

هل مازال على الأرض.. ما يستحق الحياة؟

Blogs - man
تسببت الحالة المقيمة من عدم الاستقرار، السياسي والاقتصادي، التي تعيشها المنطقة العربية في انحلال ثوابت وانصهار كثير من الأولويات لدى جمع كبير من الناس، الذين تأثروا بحالة الشك العارمة التي أصابت كل شيء، مما أثر على جوانب كثيرة في الحياة الاجتماعة للشّريحة الأكبر من الناس. وتبعاً لذلك.. أصبحت الكتابة عن الفن أو الأدب، أو أي قيمة ميثالوجيّة ضرباً من الترف الذي يجلب لصاحبه سخط شريحة كبيرة من القرّاء.

هذا ما نراه في شبكات التواصل الاجتماعي، فما إن ينشر مقال أدبي أو فني، إلا وتنهال عليه التعليقات السلبية والحَنِقة. إلا أن ذلك لا ينفي أن هناك شريحةً أخرى ما تزال ترى في الفنون متنفساً، خيطاً من النور ينسل هادئاً وسط العتمة الداهمة، وما تزال تؤمن، مع كل ما يجري، أنه ما زال على هذه الأرض ما يستحق الكتابة عنه بشغف، والقراءة عنه بشوق. يؤمنون أنه ما زال على هذه الأرض ما يستحق انتظار الغد من أجله. أنه ما زال على هذه الأرض ما يستحق التنفس بعمقٍ، إغلاق العينين، ورسم ابتسامة رضى عند التفكير فيه.

محمود درويش كتب هذه القصيدة حين كان مقيماً في باريس، فكان يردّد خذني لباريس وسأكتب هناك أجمل القصائد. ما دام في باريس فأكيد أنّ على هذه الأرض ما يستحق الحياة.

أصبحنا لا نكاد نجد شخصاً ليس لديه ارتباطٌ وثيق بحدثٍ مأساوي مما يجري في الأقطار العربية، ممّا تسبب في إهمال البعض أو نسيانهم -طواعيةً أو كرهاً- لقيمة الفن/ الأدب وقدرته الخارقة على إيصال رسائل وبناء جسور، وتقديم الحلول إن لزم، هذه الحلول التي كثيراً ما تكون على شكل تساؤلات، فحتى الحل قد يكون سؤالاً يبحث بدوره عن حل.

في الحقيقة أنا لا ألوم الغارقين في المعاناة لموقفهم هذا، ولكن ألومهم للومهم لكل من اختار أن يسير على الطريق الآخر، وإلقائهم اللوم على من حافظوا على ثوابتهم الأولى، ومازالوا يرون في الفن/ الأدب تجسيداً لذلك الخيط الأبيض اللامع، المنساب وسط الظلمات.

كل إنسان يخوض حربه كيفما ارتأى، وكل إنسان يتحمل العواقب، صحيحٌ أننا كأفرادٍ لا نتحكّم -عادةً- في مسار الأحداث الكبرى التي تسِم التاريخ، فتلك من مهام الجماعات، لكننا نختار أين نقف منها، وهنا يكمن الفرق، فالزاوية التي ترى منها الأمور تسِم نظرتك لها، وما تراه غروباً يراه الواقف في الجانب البعيد شروقاً.

أذكر أنني شهدت نقاشاً بين اثنين من أصدقائي، حول نص "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" للشاعر الفلسطيني محمود درويش، وكان أحدهما يذكر ساخراً معلومةً قرأها على إحدى صفحات الفيس بوك، تقول إن محمود درويش كتب هذه القصيدة حين كان مقيماً في باريس، فكان يردّد "خذني لباريس وسأكتب هناك أجمل القصائد.. ما دام في باريس فأكيد أنّ على هذه الأرض ما يستحق الحياة..". فردّ الآخر عليه "صحيح أننا لسنا في باريس، ولكن طالما أن هناك شعراء يكتبون لنا مثل هذه النصوص.. فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة!".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.