شعار قسم مدونات

لطفا! موتا واحدا

blogs - بكاء
يتقاذفنا الموج السياسي بين الفينة والأخرى، فتارة يقذفنا إلى أعماق البحر وتارة يتركنا تتلاطمنا الأمواج وتارة أخرى نرمى على شاطئ الأحداث ومرات كثيرة لا نكاد نرى البحر..

 

أيها العالم الاول ما المطلوب منا؟!

أردتم هيمنة سياسية فأعطيناكم أردتم أضعاف حركات التحرر أو التمرد أو المعارضة فأضعفناها، أردتم قتل الشعب لئلا يظهر فيه صلاح أو خالد فقتلناهم، أردتم هيمنة اقتصادية فأفقرنا الشعب وسلبنا لقمة عيشه فأصبح جل تفكيره كيف يحصل لقمة العيش، أردتم استرضاء فألغينا معنى الكرامة وأرضيناكم، اعطونا لوائح مطالبكم مرة واحدة فننفذها ضربة واحدة ووجعا واحدا ودما واحدا، فقط اتفقوا على ما تريدون وسنكون السيف القاطع مرة واحدة..

 

أيها العالم الأول.. أنا الشعب والشيخ والطفل والمرأة، أنا كل المعذبين وكل المسحوقين وكل المتآمر عليهم، أبعثوا لنا موتا واحدا نموت فيه فلا فائدة من أن نموت كل يوم.

أيها العالم الأول..

أنا الإنسان الذي وخزه شيء من ضمير لصوت أم فقدت أولادها السبعة فلم تستطع أن تلملم أشلاءهم فدفنتهم في قبر واحد.. أنا الشعب الذي تجرأ على نفسه فأصبح يشكك في عروبته ويشكك في انتمائه وأحيانا أخرى يشكك في وجوده، أنا الشعب الذي تجرع كل أنواع العذاب من بصقة ضابط في الوجه إلى انتزاع أعضاء الجسد حيا ثم أرمى إلى الجراء والإنسانية تسحل جسدي البالي بلا اكتراث، أنا الشعب الذي تجرع الانكسار فذقت أقله عندما بحثت بين القمامة باحثا عن قطعت خبز فوجدت أشلاء ملقاة على الارض فتقبلت المنظر كونه كان عاديا بالنسبة لي، وذقت أعلى أنواع الانكسار عندما وجدت فلذة كبدي مقتول معلق في إحدى السجون والسبب أنه متهم بالثورة وأنا من علمته أبجديات الثورة فلعنت نفسي.

 

أيها العالم الأول..

انا امرأة بدأ حلمي يشقشق سديم السماء، فتزوجت برجل لا أعتقد أن هنالك من هي محظوظة مثلي وأنجبت طفلين وجهيهما قطعتي نور فكل من رآهما تهلل وجهه بالفرح والسرور، ففقدت زوجي ودفن طفلاي تحت أنقاض بيتي المهدم، وها أنا اليوم امرأة بلا قلب وأم بلا أبناء. أيها العالم العاجي قل لي ماذا تريد بل قل لي ماذا فعل طفلاي كي يدفنا أحياء تحت كل هذه الأنقاض..

 

أيها العالم الأول..

أنا عالم الدين الذي بقي كل هذه السنين يتغنى بالتاريخ المجيد وبالانتصارات المبهرة على أمل أن تعود، حسبت أني الوحيد العارف بدين الله وخلت أني الموقع عن الله فرفضت الثورة وألقيت خطابا فحواه أن الله يكره الفوضى والثورة فوضى، ثم اكتشفت أن إبني من أشعل فتيل الثورة فالتزمت الحياد بين رفض الثورة لأنها فوضى وبين تأييدها لأن إبني من جنودها، أيقنت بعدها أني لست عارفا بدين الله إنما كنت أسير حيثما تسير مصلحتي ومنافعي.

 

أيها العالم الأول..

قل لي بالله عليك، سنوات من الضياع وانا أقاتل الثورة والثوار وأدافع عن ولي الأمر والحاكم عن قناعة، ثم اكتشف زيف ماكنت عليه، قل لي ما دمتم قادرين على السيطرة على عقولنا من بعيد فلماذا أتيتم إلينا؟ ماذا تريدون منا؟!

 

أيها العالم الأول..
أنا الشعب والشيخ والطفل والمرأة، أنا كل المعذبين وكل المسحوقين وكل المتآمر عليهم، أبعثوا لنا موتا واحدا نموت فيه فلا فائدة من أن نموت كل يوم؛ احفظوا مخزونكم من السلاح واقتلونا مرة واحدة فقد مللنا الموت كل حين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.