شعار قسم مدونات

حتى يبقى خليجنا واحد

blogs - الخليج

يعي المواطن الخليجي، كما تعي قيادته، بأهمية تحقيق التكامل الاقتصادي والإداري بين دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصا في هذه المرحلة الحرجة والأوضاع الإقليمية المضطربة. ومع تنامي التهديد الإيراني وتزايد نشاطاته العدائية، يحير المواطن الخليجي سؤال كلما بدأ السباق الإعلامي في تغطية القمة الخليجية أو اجتماعات جانبية لمجلس التعاون، مثيرة قضايا إقليمية مهمة تلامس تطلعاته.
 

لماذا لم نحقق بعد تكامل حقيقي في الميادين الحيوية؟ خصوصا أنه وبعد أكثر من 35 عام على توقيع اتفاقية النظام الأساسي لدول مجلس التعاون الخليجي والتي تشير أول أهدافها إلى "تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها" ما زال المواطن في الخليج يتأنى وهو يستمع إلى ردود تتمحور حول "في التأني السلامة وفي العجلة الندامة"، وهي أعذار أدحرها وأظهر سذاجتها مدى نجاح التنسيق الأمني والعسكري بين دول مجلس التعاون الخليجي والتقارب الثقافي والاجتماعي الشديد بين شعوبها.

ورغم أن الحاجة إلى الوحدة في الخليج كانت تهدف إلى تحقيق تنمية تساهم في رفع مستوى الرفاهية في الخليج، أصبحت اليوم ضرورة مصيرية في مواجهة التهديدات الإيرانية.

فعلى الصعيد الأمني استطاع مجلس التعاون الخليجي من بناء أطر أمنية تكاملية تضع قواعد جديدة للأمن التعاوني في الكيانات الإقليمية حول العالم. نجحت الدول الأعضاء في المجلس من تحقيق التكامل الأمني عن طريق جهود وزراء الداخلية والدفاع لدول مجلس التعاون الخليجي والتي تصب في ثلاث محاور أولها تحديد المخاطر والتهديدات المشتركة، ثم تحديد الأليات والتدابير المشتركة بين الدول في مواجهة هذه التهديدات، ثم المراجعة الدورية لمخرجات هذا التعاون ومدى مواكبته للتطورات الإقليمية والدولية.
 

نتج عن هذا الإطار في التعاطي مع القضايا المشتركة موافقة المجلس في عام 2010 على تحديث وتطوير الاستراتيجية الأمنية لدول مجلس التعاون لسنة 1987، وإقرار الاتفاقية الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي في عام 2012. وبذلك تمكن وزراء الداخلية لدول مجلس التعاون مجتمعين من تحقيق إنجازات في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة ما كانت لتتحقق لو ان كل دولة واجهت هذه التهديدات منفردة.
 

وتتجلى محاكات هذا التوجه في المجال العسكري ما حققه مجلس التعاون من فاعلية في التعامل مع احداث البحرين في 2011 والتعاون العسكري في الجبهة اليمنية. ولعل أهم مقومات هذا النجاح في المجالين الأمني والعسكري هو شمولية التدابير المشتركة، بحيث تمتد مساعي تحقيق الأهداف إلى كافة الأنظمة والتشريعات والأنشطة الاجتماعية والثقافية والمؤسسات العامة والخاصة في الدول الأعضاء لتحقيقها.
 

وفي الميادين الثقافية والاجتماعية استطاع المواطن الخليجي من طمس الفوارق وهدم الحدود بين دول الخليج لتظهر تقارب مجتمعي منقطع النظير. أدى مدى التقارب الثقافي بين دول مجلس التعاون إلى رسم هوية خليجية موحدة، ينطوي تحتها مجمل النتاج الثقافي والفني لمجتمعات دول مجلس التعاون الخليجي. كما تشترك الشعوب الخليجية في المسار التاريخي لها وتداخل أحداثها التاريخية مما يرسخ الروابط الاجتماعية فيما بين شعوب المنطقة.
 

ما يمكن تحقيقه في المجالات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وفي مواجهة التهديدات في الخليج العربي، من خلال التكامل والوحدة يفوق بأضعاف ما يمكن أن تحققه كل دولة منفردة.

ورغم الإنجازات المحمودة والمشجعة في مجال الربط الاقتصادي، سواء في إنشاء الاتحاد الجمركي أو تفعيل السوق الخليجية المشتركة، تبقى هذه الجهود محصورة في مجال التبادل التجاري بين الدول الأعضاء. وهي جهود لا تجني كامل منافع التكامل الاقتصادي الحقيقية لدول مجلس التعاون الخليجي. فحسب تصريح لوزير التجارة السابق الدكتور توفيق الربيعة عام 2014 بلغ حجم الاقتصاد الخليجي مجتمعا 1.7 تريليون دولار، بحيث يشكل ثاني عشر أكبر اقتصاد في العالم.
 

كما أن حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة والدول الأخرى بلغ مستويات تجعل من المجلس لاعب مؤثر حينما يتحرك ككتلة اقتصادية موحده. فعلى سبيل المثال، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وأكبر اقتصادات الخليج وهي المملكة العربية السعودية إلى 52 مليار دولار في العام 2015، بينما بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والكتلة الخليجية مجتمعة لنفس العام 165 مليار دولار ما يجعل الكتلة الاقتصادية الخليجية في موقع قوي في المفاوضات التجارية مع المجتمع الدولي وهو كرت تفاوضي لا يستهان به.
 

ما يمكن تحقيقه في المجالات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وفي مواجهة التهديدات في الخليج العربي، من خلال التكامل والوحدة يفوق بأضعاف ما يمكن أن تحققه كل دولة منفردة. ورغم أن الحاجة إلى الوحدة في الخليج كانت تهدف إلى تحقيق تنمية تساهم في رفع مستوى الرفاهية في الخليج، أصبحت اليوم وفي ضل الظروف الإقليمية ضرورة مصيرية في مواجهة التهديدات الإيرانية.
 

وقد أثبت التعاون الأمني في الخليج مدى أهمية الوحدة ومدى سهولة تخطي العقبات في سبيل تحقيقها. ويجدر الإشارة هنا إلى أن النجاحات الأمنية التي حققتها الاتفاقية الأمنية لدول مجلس التعاون تحققت في ظل رفض مجلس الأمة الكويتي لبعض بنودها والتي تتعارض مع الدستور الكويتي، وهو حق سيادي للكويت محفوظ ومحترم تحت قبة مجلس التعاون الخليجي ولم يؤثر على مسيرة تحقيق أهداف الاتفاقية. فدولة الكويت الشقيقة لم تتوانى يوما عن التعاون مع بقية دول الخليج في تحقيق الأهداف الأمنية التي تشترك معها. لذلك اعتراضات الدول الأعضاء على بعض الخطوات في سبيل تحقيق التكامل، مثل تبادل معلومات المواطنين والمقيمين كما حدث مع الكويت، أو الاتحاد النقدي الخليجي كما حدث مع عمان، ليس سببا في تعطيل مسيرة الوحدة.
 

لن تتمكن دول الخليج منفردة من تأمين مصالحها الأمنية والاقتصادية في المساومات مع المجتمع الدولي مالم تتحرك ككتلة واحده في مواجهة المتغيرات الدولية.

فالاتحاد الأوروبي واصل مسيرته التكاملية رغم اعتراض وانسحاب دول مختلفة من اتفاقياته المختلفة، كاتفاقية العملة الموحدة في عام 1999. كما أن العديد من الدول الأوروبية انضمت فيما بعد إلى الاتفاقية النقدية بعد تبيان منافعها، كما حدث مع قبرص ومالطا التان انضمتا إلى العملة الموحدة في 2007. وهو ما يجعل ردود بعض المسؤولين في تبرير تباطؤ تحقيق الوحدة الخليجية هي ردود غير منطقية في ظل هذه الأمثلة.
 

إن الأوضاع الإقليمية والتهديدات التي تواجهها دول الخليج تأكد على ضرورة الوصول إلى الوحدة. فتنامي النفوذ الإيراني، سواء في المنطقة العربية أو في الصروح الدولية، وتمكنه من تحقيق انتصارات في مقابل الجهود الخليجية للحد من الأنشطة العدائية لإيران، يكشف عن ضعف في الموقف الخليجي.
 

ولعل هذا الضعف نتيجة انقسام البيت الخليجي على نفسه وعدم ظهوره ككتلة موحدة في المفاوضات مع المجتمع الدولي. كما أن حالة الغموض السياسي وعدم وضوح الرؤية السياسية لكثير من القيادات الدولية تنبئ بمرحلة إعادة رسم للقوى السياسية والكتل في العالم، أو بالأصح، إعادة تقسيم كعكة النفوذ الدولي، ولن تتمكن دول الخليج منفردة من تأمين مصالحها الأمنية والاقتصادية في المساومات مع المجتمع الدولي مالم تتحرك ككتلة واحده في مواجهة المتغيرات الدولية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.