شعار قسم مدونات

قضية أزواد.. حقوق في مهب الريح

blogs - mali
لا يبدو أن تأثير الرياح وموجاتها التي لا تتوقف على تلك الرمال المتحركة في صحراء الطوارق، لا يبدو أنها الوحيدة التي تعصف بهم. قضية أزواد مهما حاولت أطراف من هنا إلباسها ثوب الثورة تارة والتمرد تارة أخرى؛ فالحقيقة التي لا تقبل جدالا مقبولا هو أنها قضية شعب يعيش على أرضه يحلم أن يحق له العيش كما تحلم وتعيش شعوب الأرض.
 
إذن فنحن أمام قضية حقوق بامتياز، ومع كونها كذلك ومرور أكثر من ستة عقود تقريبا على ظهور أول إرهاصات تحرك المطالب بتحصيل الحق وإنصاف أصحابه، إلا أننا وحتى اليوم نقف أمام مجموعة من الأحداث والأفعال ورداتها المتناقضة التي تجعل الباحث عن أصل المشكلة وحقيقة مطالب أصحابها مسألة هلامية غير قابلة للقياس.

إن القيام بالثورة بشكل مرتجل عفوي في ظل حالة محدودة الإمكانات أو انعدامها، ودون الاعتماد على دعم دولي واضح وصريح؛ هو نوع من الانتحار.

ومع الإقرار الكامل والواضح بالحق التاريخي للأزواديين في أرضهم معيشة وإدارة وتحكما، وما تعرض له هذا الحق الثابت من ضياع وإهمال من أطراف عدة، فإننا لا بد أن نعترف بضبابية المطالب وصعوبة إيجاد جسم قابل للتشخيص ولو فرضيا حتى يمكن التعامل معه.

فإذا اتفقنا ولو جدليا على أن القضية الأزوادية قضية حقوق، فإننا ورغم تعدد الثورات فإننا نقف عاجزين عن إيجاد القواعد الفلسفية النظرية التي تقوم عليها هذه الثورات، كما أننا لن نستطيع الوقوف على الأدبيات النضالية الأزوادية، ولا نستطيع الوقوف على الخطوط الحمراء التي لا تقبل النقاش والتنازل من الجانب الأزوادي، مما يعني بالضرورة إدارة الأزمة وفقا لتوازنات تحكمها مصالح تضيق وتتسع بحسب الأشخاص وليس تبعا لأسس وأدبيات متوارثة في سياق تاريخي منتظم.

ولعل هذه الإدارة العشوائية هي التي تفسر التناقض البين بين مراحل الثورة المتخلفة وبين التسويات التي تؤل إليها، ومصير القيادات التي تمسك بزمام القرار في كل مرحلة حيث تتأرجح تلك القيادات من المطالبة بالانفصال التام عن الحكومة المالية لينتهي بها الأمر غالبا وقد رضيت لنفسها بأن تكون موظفة في نفس الكيان الذي كانت تناضل من أجل الانفصال عنه، ويتم كل هذا الانتقال بين طرفي المعادلة في ظرف زمني قصير دون الانشغال ولو شكليا للتسويات، وتنفيذ مراحلها، وما إذا كان الشعب قد تحصل على بعض ما كان يوعد به.

وفي هذا السياق لا يمكن تجاهل الحصول على بعض المنافع من تلك الثورات في مراحل مختلفة، ولكن المتحصل لا يمكن بحال أن يكون مقابلا وقبولا، لما لحق بالشعب الأزوادي من محن.

إن القيام بالثورة بشكل مرتجل عفوي في ظل حالة محدودة الإمكانات أو انعدامها، ودون الاعتماد على دعم دولي واضح وصريح؛ هو نوع من الانتحار، وخاصة إذا علمنا أن المنطقة قد أصحبت مرتعا خصبا لجماعات التطرف العابرة للقارات، بالإضافة إلى نشاط التهريب بكل أشكاله وتفرعاته، ما يعني بالضرورة العودة في كل تسوية تفاوضية إلى ما قبل المربع الأول.
وختاما: قد يكون الانفصال عن مالي هدفا للبعض لكن العيش بسلام هو هدف الجميع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.