شعار قسم مدونات

في أي مرآة ترى جمالك؟

blogs - mirror

كثيرا ما نبحث عن أنفسنا في عيون الآخرين، معاييرهم للنجاح ومواصفاتهم للجمال، مستلزمات السعادة وقوانينها، الآمال العريضة والأماني والطموحات لنرى أنفسنا بعد ذلك في تلك البراويز والأطر الجاهزة؛ مجرد محتوى مفرغ من مضمونه، فقط ليناسب معايير عامة صنعتها الجموع بالتوارث عبر الأجيال دون التوقف بين الفينة والأخرى لتدارسها وتقييمها بشكل دوري لمعرفة مدى صلاحيتها وجودة مخرجاتها المستقبلية.

أن يرى الإنسان نفسه في عيون الناس فقط هو شيء خطير، وقد يكون له عواقب وخيمة على فاعلية الفرد ومدى إنتاجيته، ويؤثر بشكل مباشر على القدرة على تحقيق الذات وتقديرها، وهو مسرب حتمي للدخول إلى الفشل من أوسع أبوابه.

العين الوحيدة التي نحتاج أن نستحضرها ونطلب رضاها ومعاييرها العليا في كل ما نفعله، والتي نرى أنفسنا ونجاحاتنا وجمالنا من خلالها هي عين الله سبحانه وتعالى.

إذا كنت تلبس الماركات الأجنبية لتتباهى باسمها فقط بغض النظر عن جودتها وحاجتك لها، فأنت هناك تقبع في تلك الزاوية الضيقة ترى نفسك فقط في عيون الناس، إذا كنت تجتهد وتدرس وتنجح لتتبوأ مرتبة عليا في نظر من حولك مهملا حاجاتك ورغباتك الحقيقية من أجل تصفيق ما أو نظرة إعجاب تمنحك متعة آنية قصيرة فأنت كذلك هناك في الزاوية الضيقة.

وإذا كنت تفعل خيرا فقط ليراك من حولك وتعمل جاهدا لتستجدي ردود أفعالهم بشكل مستفيض فأنت أيضا تقبع في ذات الزاوية. لماذا نريد أن نبقى في زاوية ضيقة وقد شرع الله لنا فضاء واسعا يتسع لأن نسبح أحرارا في ملكوته؟ نشكر الله أن هدانا لرؤيته والتأمل في جماله.

بحور من الحياة والأمل الذي تحيا به أرواحنا، نعم مستفيضة يقدمها لنا الكريم دون منة وأذى، ونفوس مثابرة مجتهدة يمن الله بها علينا لنرى من خلالها قيمتنا الحقيقية دون البقاء في زاوية معتمة،  تضيئها فقط أراء الآخرين ومقاييسهم التي فصلت بطريقة قد لا تناسبنا ولا تعبرعنا، وكما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وصف الجمال" ليس الجمال بأثواب تزيننا… إن الجمال جمال العلم والأدب".

من أهم المراحل الإنمائية التي من الضروري العمل عليها باكرا لإخراجها من الزاوية (نحن في عيون الناس) هي مرحلة المراهقة التي يناضل فيها اليافعين لبناء هويتهم وبصمتهم الخاصة، وذلك لحساسية هذه المرحلة وأهميتها في تشكيل وعي الفرد بذاته وبما حوله، ولأهميتها في رسم ملامح شخصيته التي سوف يبحر بها في محيطات هذه الحياة ليصل معها الى المرفأ الذي يبتغي لنفسه.

ودور الأهل هنا يكمن في مساعدة ابنائهم على رؤية أنفسهم وإمكانياتهم ومواطن تميزهم أو حتى مواجهة نقاط ضعفهم بعيدا عن مرآة الآخرين التي قد لا تعطي الأبعاد الحقيقة لما هو معروض عليها ، ولا يعني ذلك الانفصال التام عن الناس فنحن لا نستطيع في النهاية أن نعيش بمعزل عن من يحيطون بنا.

ولكن نستطيع أن نحدد مدى سطوة وتأثير الأحكام المسبقة والمحددة التي تعيق السير للأمام، وتعمل على إحباط أي تغيير لا يتناسب وقوالبها الجاهزة التي غالبا لا تراعى فيها الفروقات الفردية والقيمة الحقيقية للإنسان، وتحصرها فقط في اسقاطات الآخرين وآرائهم التي قد لا تكون في النهاية هي الخيار الأفضل.

الإنسان بطبعه يحتاج إلى معايير ومحكات ليقيس بها إنجازاته ويقيم من خلالها تقدمه في كل ما يقوم به، ولذلك جعل الله لنا في الإيمان مراتب تجمع أبعادا دينية ودنيوية معا لنسعى ونجتهد في الوصول إليها، وبها نقيم مسارنا وصحة اتجاهاتنا، وجعل الله لنا فيها غاية دعانا لها قائلا "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون".

أعلى مراتب الإيمان هو الإحسان وهو يعني في اللغة : إجادة العمل وإتقانه وإخلاصه؛ وهو المبدأ الذي يجب أن نحرص على أن نربي أبنائنا عليه  ليكون المحك الذي يقيسون على أساسه صواب مسار رحلتهم بما فيها من صعود وهبوط ومنحنيات، وهو المعيار الدقيق الذي يقيم لهم مدى نجاحهم في الوصول لأهدافهم وغاياتهم.

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال " إن الله لا ينظر لأجسامكم ولا لصوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم " وفي ذلك بإذن الله مفتاح القبول.

وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان تفسيراً لا يستطيعه أحد من المخلوقين غيره لما أعطاه الله من جوامع الكلم فقال عليه السلام "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وذلك يعني أن نستشعر نحن رؤية الله ولله المثل الأعلى.

لنتقن ونجيد من خلال هذه الرؤية عبادته على وجهها الأكمل، وليتمثل الإخلاص في كل ناحية من نواحيها، وليس المقصود بالعبادة هنا الشعائر الدينية فقط بل العبادة بمعناها الأشمل الذي يندرج تحته كل تفاصيل حياة المؤمن بما فيها من عمل ومتعة وعلاقات.. إلخ .

ومن الإحسان أيضا أن العين الوحيدة التي نحتاج أن نستحضرها ونطلب إعجابها ورضاها ومعاييرها العليا في كل ما نفعله، والتي نرى أنفسنا ونجاحاتنا وجمالنا من خلالها هي عين الله سبحانه وتعالى، أما ما دون ذلك فلا يهم ولا يجب أن يسكننا الحزن اذا لم نستطع بلوغه..

إن الوصول لمرتبة الإحسان وفهمه بطريقة صحيحة يثري الحياة، ويضفي عليها قيمة عميقة ويعين على كسر كل المرايا التي لا تعكس إلا أوهام أصحابها فليس أجمل من أن ترى النور بعينيك، وتستشعر السكينة في قلبك، لأنك لا ترى نفسك الا في مرآة رضا رب العالمين وفي ذلك فضل عظيم من الله عليك.

وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم" وفي ذلك بإذن الله مفتاح القبول فما اسعدنا بهذا  والحمد لله رب العالمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.