شعار قسم مدونات

تفكيك متلازمة الاستقرار والاستبداد

BLOGS-أنصار السيسي

ترى الأنظمة المستبدة أن لا مفر أمام شعوبها إلا أن تذعن وتقبل بالمساومة الضمنية، التي فرضتها عليهم والانصياع للأمر القائم بالحدود الدنيا من العيش الآمن حتى لو كان ذلك مترافقا مع الاستبداد.

وترى أن الشعوب ستقبل مضطرة بهذه المساومة التي تقضي بالاختيار بين أمرين أحدهما أقل مرارة من الآخر؛ إما الدخول في صراعات متأبدة وعنيفة بين القوى والمجموعات المتنافسة داخل أي مجتمع بحيث تعم الفوضى وينعدم الاستقرار وتتحول معه الحياة الآمنة والطبيعية إلى حياة دموية مأساوية، وإما التسليم لحكمٍ قوي مستبد يحقق الأمن ويقضي على الفوضى.

لذلك أبقت الأنظمة على إذكاء الاختلافات والتناقضات داخل المجتمعات بما فيها من أديان وطوائف وإثنيات ومكونات وجماعات منفصلة، تتوجس خيفة وتضمر العداء باطنيا، وجاهزة للانقضاض على بعضها البعض، مجرد أن يهتز النظام بفعل زوال قبضته المحكمة عليها.

في حال أراد الشعب أي شعب أن يرفض فكرة الاستبداد الدائم، ويحصل على كامل حقوقه وفق قوانين وأنظمة، فعليه أن يكون مستعداً لدفع الثمن الباهظ!

وعمدت الأنظمة المستبدة لإطالة عمرها وديمومتها إلى دفن تلك التناقضات وحشرها تحت السطح بحيث تبدو غير ظاهرة، وفي نفس الوقت تشعر الشعوب أن تلك التناقضات ستخرج كنتيجة حتمية في حال حدث صراع مع السلطة بما يضمن تلازم الخوف لدى الشعوب ويدفعهم للالتفاف حول الاستبداد والخنوع، وقبول بكل ما يترتب على ذلك من انتشار الفساد وتفاقم سرطانات سوء استغلال السلطة بكل انواعها.

وهنا لا يجد الشعب بد مِن الخضوع للاستبداد على حساب حريته وكرامته والعدالة الاجتماعية التي ينشدها، لأن النظام المستبد وفقا لتلك المساومة أصبح هو الضامن للعيش المستقر، وهو الذي يمنع حروبا أهلية محتملة ويضبط مكونات المجتمع التي قد تتصارع ويلجمها ويدفعها كي تبقى مرعوبة ويسكنها الخوف من الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار.

وهذا ما رصد في شواهد التاريخ، حيث كانت الشعوب تختار أو تلجأ غالباً للخيار الثاني لذلك كان الاستبداد والاستقرار من أشهر توائم التاريخ وأطولها عمرا. فالاستكانة والخضوع والقبول بالظلم التي ميزت الشعوب تاريخيا ليس لأن هذه الشعوب لا تريد الحرية والعدالة والكرامة والأمن والاستقرار، بل لأنها أحجمت عن دفع ثمنها.

وفي لحظة ما قد تلجأ للخيار الأول وتكون على استعداد للتضحية، كما قال الفيلسوف الفرنسي إتيان دي لا بويسي, (1565_1530) في مقالته الشهيرة «العبودية الطوعية» "إن الخضوع للطغيان لا يعني انعدام إرادة الحرية بل الإحجام عن دفع ثمنها".

في حال أراد الشعب أي شعب أن يرفض فكرة الاستبداد الدائم، ويحصل على كامل حقوقه وفق قوانين وأنظمة، ويجعل مِن الحاكم عليه مفوض لفترة محدودة لخدمة الوطن والمواطن، واختار الخيار الثاني عليه أن يكون مستعداً لدفع الثمن الباهظ!

في تلك اللحظة لن يستسلم الاستبداد بسهولة وسيخرج عن طوره، وسيصبح أكثر شراسة ودموية مما يتوقع البشر، وسينتقل بفعل إصرار الشعب إلى مرحلة المقاومة حتى الرمق الأخير، إلا أن يندحر ويحقق الشعب ما يصبوا إليه من تفكيك متلازمة الاستقرار والاستبداد، وساعتها لا يمكن التراجع أو الاستسلام لأن ذلك يعني الخنوع والقبول بالاستعباد للاستبداد دون حتى استقرار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.