شعار قسم مدونات

العراق والسياحة من نوع آخر

blogs - iraq
كاثرين ولكنز أمريكية الجنسية، ذات الـ 76 عاماً، لا تتخيل حياتها من غير أسفار، فلقد زارت أكثر من 80 دولة، وعزمت على الذهاب إلى العراق، "لدي رغبة كبيرة في زيارة العراق، فمن هنالك بدأ كل شيء، بلاد ما بين النهرين ومدينة بابل وغير ذلك من المعالم الأثرية هناك، أحب المغامرة، وأحب أن أجمع صورا تذكارية، أحب أن أرى طبيعة الشعوب"، هذا ما قالته كاثرين معللة سبب ذهابها إلى العراق.

ما لا تعرفه عن السياحة في العراق أنها كانت تمثل عمودا اقتصاديا ودخلا إضافيا للعراق. في عام 1973 دخل العراق أكثر من 500 ألف سائح، وتشكل نسبتهم 25 % بالنسبة للسياحة الداخلية، وحسب صحيفة ديلي ميل البريطانية؛ العراق كان يمثل وجهة مشهورة بالنسبة للسياح من بلدان مختلفة، كاليابان وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، بعد ذلك ازدهر النشاط السياحي بشكل ملحوظ، حيث ازدهر الاستثمار في قطاع الفنادق ليبلغ عددها 1906 فندقاً، العراق استقبلت ما يقارب 5 مليون سائح عام 1989، ولكن في التسعينيات سجلت السياحة انخفاضا بسبب الحروب الحصار الاقتصادي، حيث أكدت الصحيفة في تقارير لها وصول 15000 ألف سائح أجنبي فقط عام 1997.

هل ستعود السياحة العراقية إلى نصف ما كانت عليه سابقا أم أنها نهاية لحضارة كانت مبتغى أغلب الناس ومدخلا اقتصاديا عاليا!

بعد عام 2003 ازدهرت السياحة الدينية حيث شكلت نسبة 96 % من مجمل السياحة العراقية، في عام 2010 سجل العراق دخول مليون ونصف زائر إلى العراق، شكل الإيرانيون منهم 88 %، واقتصرت زيارتهم على النجف وكربلاء ثم سامراء وبغداد، ولكن لا تشكل هذه السياحة زيادة في الاقتصاد العراقي، حيث أسست شركات للقيام بالإجراءات وحجز الفنادق، ولا يتكلف الشخص أكثر من 35 سنتا والفيزا لا تتجاوز 20 دولارا أمريكيا، وتذهب هذه الأموال إلى الوقف الشيعي في العراق وليس إلى وزارة السياحة.

انخفضت نسبة السياح عام 2014 بنسبة 45 % بسبب سيطرة داعش على العديد من المناطق العراقية، ويرى المختصون أن السياحة لا يجب أن تقتصر على موسم الزيارات الدينية فقط، بل بإمكانها أن تحقق قفزة اقتصادية عالية لو تم استثمارها بشكل صحيح.

السؤال المهم هنا ماذا بقي من حضارة العراق لكي تزدهر السياحة من جديد؟ حضارة العراق دمرت عام 2003 حيث لم يتبق منها سوى القليل، سرقت أغلب الآثار، والآن موجودة في المتاحف الأجنبية، والأدهى من ذلك ما فعله داعش بعد دخوله الموصل وباقي المحافظات، قام بتفجير وتهديم المعالم الحضارية، وادعى أنها أصنام ووجودها مخالف للشريعة الإسلامية!

ازدهرت السياحة في إقليم كردستان وأصبحت أربيل عاصمة السياحة العربية في 2014 – 2015، ولا تزال لحد الآن عاصمة لتبادل الثقافات ويزورها سنويا الآلاف من الأجانب من أجل السياحة والعمل، ولكن بسبب الوضع الأمني في العراق ووجود داعش انخفضت السياحة بنسبة 35 %.

هل ستعود السياحة العراقية إلى نصف ما كانت عليه سابقا أم أنها نهاية لحضارة كانت مبتغى أغلب الناس ومدخلا اقتصاديا عاليا! بعد أن كانت القصور والمعالم الأثرية منتشرة، المراقد والجامعات، والكثير من الأشياء التي نفخر بها، كشيء جميل من الماضي، أصبح هنالك آثار من نوع آخر نتألم عند رؤيتها، نحزن عندما نتذكرها، إنها آثار الانفجارات، أصبحت كنقش على شوارع وجدران البلد، وامتلأت المقابر بالضحايا، أصبح الموت اعتياديا، منذ 2003 أصبح العراق بلد المقابر بدلا عن بلد الحضارة والسياحة. فمن ينقذ هذا البلد العريق ويعيده إلى وهجه الحضاري؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.