شعار قسم مدونات

العالم "المتحضر" وغضّ الطرف عن إبداع المهاجرين واللاجئين!

Blogs - airport
يشهد العالم مؤخراً -وبشكل خاص المتحضر منه- حالة من الانتهازية في التعامل مع المهاجرين، حيث يغض البصر ويُعمي البصيرة عن إبداعات وإنجازات المهاجرين، ويسلط الضوء بشكل مستفز ورخيص على تطرف وتخلّف الحالات الخاصة منهم.

إذ يتناسى هذا العالم، ما يحققه أهل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مهاجروين كانوا أم لاجئين) من إنجازات، ويغيّب ما يتسمون به من أخلاق، وما يملكونه من طموحات، وأحلام، وآمال، ليتذكر فقط أنهم قادمون من دول فيها تطرف وإجرام، ويستنتج أنهم متطرفون ومجرمون.

بمتابعة لإعلام الدول المتقدمة، نجد بين الفينة والأخرى، بعض المبدعين الذين يبرزون، وتضطر هذه الوسائل الإعلامية أن تسلط الضوء عليهم وإن كان بشكل خجول.

عالم متحضر يدعي الإنسانية، ويعمل على تصدير مفهومها كلما تسنح له الفرصة، إن كان عبر تصريحات سياسية لرجال دول وساسة، أو أعمال ثقافية لرسامين وكتاب، أو أفلام سينمائية لممثلين ومخرجين، ولكنه لا ينفذها على أرض الواقع، بل إنه يقوم ويفعل عكسها فيما يتعلق بالمهاجرين واللاجئين خاصة تجاه أهل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منهم.

هؤلاء المهاجرون أو اللاجئون الذين هربوا من اضطهاد ما، بحثاً عن حياة أفضل، وحياة كريمة، يستطيعون خلالها إثبات ذاتهم وتطوير قدراته، يواجهون في معظم الأحيان من قِبل هذه الدول المتقدمة، بأفكار مسبقة، وأحكام جاهزة، وسوابق راسخة، تحبط بعضهم وتثبط من عزيمتهم.

ولكن مع ذلك يبرز بعضاً منهم، في مختلف مناح الحياة، ولسنا هنا بصدد ذكر أمثلة تثبت ذلك، ولكن بمتابعة لإعلام هذه الدول التي ذكرناها (أي المتقدمة)، سنجد بين الفينة والأخرى، بعض المبدعين الذين يبرزون، وتضطر هذه الوسائل الإعلامية أن تسلط الضوء عليهم وإن كان بشكل خجول نتيجة تلك الأحكام المسبقة، رغم أنها -هذه الوسائل- لا تريد ذلك، ولكن ما يقدمونه وما ينجزوه وما يحققوه يفرض نفسه بشكل أو بآخر.

من جهته الإعلام الغربي المملوك لـ "اليمين"، فإنه الأكثر تطرفاً، ويقوم بتسليط الضوء على الحالات الخاصة "الشاذة" بسلوكها، وينطلق من هناك إلى التعميم على كل الوافدين إلى دول أوروبا وأمريكا.

وبالممارسات التي تنتهج الدول المتحضرة ضد المهاجرين واللاجئين، لن تتحول فقط إلى دول "متخلفة" ودول عالم ثالث، بل ستتحول إلى مجموعة من المرائين والمنافقين.

الأفكار والأحكام المسبقة، يرى البعض أن السبب فيها المهاجرون واللاجئون نفسهم، ويحملون الخطيئة للضحية، ويتناسون المجرم، ولكن السبب الحقيقي كما يراه المتابعون والمختصون هو (الفوبيا) الغربية، التي بنيت خلال السنوات الماضية من قِبل الإعلام (خاصة المملوكة من اليمين) في تلك الدول ضد العرب والمسلمين والشرق أوسطيين والأفريقيين وغيرهم من القادمين من دول العالم الثالث إلى تل الدول "المتقدمة"، ورسّخت حالة من الهلع والرعب لدى المواطنين الغربيين، وساهمت في شكل كبير في تكوين رأي عام عالمي مجرّد من الإنسانية والمصداقية والحيادية، رأي عام مسلوخ عن كل القيم والأعراف، ينتهج الربع والخوف منهجاً في التعامل مع أي إنسان لا ينتمي إلى نفس البيئة.

إضافة إلى ذلك تأتي بعض وسائل الإعلام العربية الفاشية، المملوكة من قبل حكومات شمولية استبدادية، أو تعمل تحت قوانين هذه الحكومات، لترسخ الفكرة الغربيّة، عبر بث "السموم" والادعاءات المغلوطة، ومن خلال التأكيد على التخلف والرجعية.

خاصة أن هذه الحكومات الفاشية هي السبب الرئيس لهجرة أو لجوء هؤلاء المغلوب على أمرهم، وهي من تقوم وترسخ تخلفهم.

من المؤكّد أن لكل منطقة عاداتها وتقاليدها وأساليبها، ولكن القيم الحياتية والإنسانية، ومن بعدها الإبداعية، هي ذاتها في كل أنحاء المعمورة، وهذا الأمر يجب أن تدركه وتؤمن به تلك الدول المتقدمة بشكل حقيقي وليس فقط على الورق وبالمواثيق المكتوبة والشرائع الأرضية، بل يجب أن يمارس على أرض الواقع، وإلا فإنها لن تفقد فقط سمتها كدول "متقدمة" بل ستفقد إنسانيتها أولاً، ومصداقيتها تالياً.

وبهذه الممارسات التي تنتهج هذه الدول ضد المهاجرين واللاجئين، لن تتحول فقط إلى دول "متخلفة" ودول عالم ثالث، بل ستتحول إلى مجموعة من المرائين والمنافقين، الذين تجاوزوا كل الأعراف والتقاليد وتحولوا إلى أشبه بمرتزقة انتهازية..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.