شعار قسم مدونات

الحرب العالمية على السُنَّة: حلب الأعماق

blogs - بوتين و الاسد

"يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِهَا"، لم نكن في ريب يا رسول الله أن يأكلوا حتى اللقمة التي في أيدينا بل ويسلبون حياتنا بلا رحمة ولا شفقة، وأصبح قتلنا فرضاً عليهم ومادة في قانون إجرامهم وعفواً رسول الله لأننا لم نشدَّ بعضنا فبنياننا هرمٌ متهالك.

 

في البداية لم أرَ "داعش" والخوارج يقتلون غير "السنَّة" وإلا هم، لم أرى داعش في كربلاء أو النجف يعتدون على أصحاب المذاهب الأخرى لنقول إنهم فعلاً جماعة متطرفة عن الدين، لم أرى غير معاناة مقصودة لسُنَّة العراق وتهجيرهم وحتى التلذذ في قتلهم من قبل الميليشيات الإيرانية والتي لها الوصاية الكاملة على داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية للوصول الى غاية خرجت وسيلتها عن الإنسانية والرحمة.

 

إن الأمم الآكلة لحق الحياة تتفرج على هدف تبحث عنه منذ أعوام، فهي تتخلص من "السٌنَّة" صراحة دون أن تضغط زناداً واحداً، كل ما عليها سوى الانتظار والمشاهدة للتغذي على بقايا ضعف ووهن.

لم يكن من الصعب عليهم الدخول الى الشام، وكان لكل منهم دوره في مسرحية تراجيدية مكتوبة على أوراق النظام السوري بحبر إيراني ودمغة روسية، وليس الغريب أن تجد الشعب السوري في الأصل مقسماً حسب مذاهبه الدينية ليُعرفَ من سيسيل دمه في النهاية، تم تمييزهم "فالسُنّيّ" أصبح دمية لتطبيق الشعائر "الخمينية" عليها والقضاء على أبناء الدين الحنيف والشعبة المختارة الصحيحة، رعاة السلام وأصحاب الرسالة المحمدية.

 

كانت الميليشيات تلعب دورها بكل براعة على الأرض متعاونين مع "الشبيحة" وغيرهم من العلويين وأتباع نظام الأسد تابعين بالرغبة أو بالإكراه، فقتل طفل "سنّيّ" بكل شراهة هو بمثابة تحقيق لمبدأهم الراسخ بالقضاء على الدين الإسلامي من جذوره والتأكد من عدم ظهوره وبروزه لأن في ذلك هلاكهم.

 

وكحليف مزدوج لدى إيران والأسد، فإن الدور يكتمل براَ وجواً مع القصف الروسي العشوائي الذي لا ينم عن خطة مزعومة للقضاء على "جماعة إرهابية" بل نوع بشع من الإبادة الجماعية وللسُنَّة تحديداً سيتكلم عنها التاريخ كوصمة عار في الأجيال القادمة، لا ترى على شاشاتهم الكاذبة غير العلويين يرفعون صور الطاغية فرحاً بالتخلص من قوات المعارضة لذا واحتفالاً بذلك تتم الآن عمليات التصفية الكلية للمدينة.

 

ولأنها "حلب" مدينة النصر والقرآن مدينة العلماء، مدينة الصناعة ومدينة الأعماق وبداية لدولة العدل القادمة والتي طالما كانت دعماً للمقاومة الشعبية السورية ضد الظلم على مر العقود الماضية فهي وكما يسمونها "الشاميون القدماء" (فزعة الشام)، اتجهت إيران اليها عبر ميليشياتها لتدمرها وتمحوها عن الخارطة، وها هم صراحة استباحوا كل شبر فيها، ليلهم أسود حالك تضيئه سكرات الموت، "لا يدري المقتول فيما قتل" إلا أنه مواطن سوري "سُنّي" من الدرجة الثالثة يعيش في بيته يبحث عن ثانية سكون ليعطي أطفاله درساً بالثبوت والرسوخ على مبدأ ديني، بحثاً عن رضا الرحمن، غير مكترث بجدران تتهاوى من حوله، مؤمناً بالرحمة الإلهية.

 

أما بالنسبة إلى الباقي من الأمم الآكلة لحق الحياة فإنها تتفرج على هدف تبحث عنه منذ أعوام، فهي تتخلص من "السٌنَّة" صراحة دون أن تضغط زناداً واحداً، كل ما عليها سوى الانتظار والمشاهدة للتغذي على بقايا ضعف ووهن. الحرب الآن عالمية بامتياز ولكنها باتجاه واحد، فهي تقصد السُنَّة ولا أحد غيرهم، في مخطط أطرافه عديدة وهدفه واحد.
 

لا داعي للعرب أن تستيقظ على ضمير يدّعي إنسانية، كل دول العالم في تلك الليلة احتجت أمام السفارات الروسية منددة بالمجازر، ولكننا لم نجرؤ حتى على فتح شاشاتنا لنرى مصيراً قد يكون يوماً مصيرنا إن لم نطلق حقنا ليحوم بحرية في غياهب الظلم، وكسر القيود وفك اللجام وأخذ اللِّحام فيما بيننا.

 

وأخيراً، أقول لكاتب التاريخ قف، وافتح صفحات أخفيتها وأحرقتها، طويتها بين الضلوع ضممتها ولا نرى إلا تجاعيد وجهك فيك، تناثرت شظايا "الأين" في ضلال وظلمة وتبعثرت أجزاء "المتى" في ضياع وجلمة. فجرُ ضجيجٍ حطم قيد الصَّغارَة، يا كاتب التاريخ قف، فأنت تعرفنا، نحن مقدمة الكتاب ونصه وسطوره ومتنه والقصيدة كلها، نحن السيف والقلم فاقلب الصفحات إلى يوم مقدَّر، يا كاتب التاريخ، كتابك نحن فيه في الفصل الأخير والبداية فيه والأثير، والخاتمة عندنا لك منها نص نكتبه على أعتاب القدر، ملوكاً على نهايتكم وبداية مجدنا بإذن الله..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.