شعار قسم مدونات

الحقيقة لا تُعاش على الورق

blogs - bones

بعد كل فاجعة نسمع عنها نشعر باستياء كبير وتعاطف جامح، يلي ذلك فتور جامح أيضا و برود و أُلفة للدم ما يجعلنا نشك في إنسانية بعضنا البعض، ولو نُوَسِّع الدائرة لرأينا العالم كتلة تتفرق بين الأطماع البهيمية واللافتات الإنسانية. ولنا في حادثة حلب المثال الكبير الذي نعيشه اليوم بعواطف و مشاعر تتحرك بحسرة ويأس. لكن هل يحق لنا أن نتعاطف و نخرج ذلك الشخص الطيب من أفئدتنا؟ ثم كيف هو حال إنسانيتنا أولا حتى نفكر في طبيعة إنسانية الغرب؟

المشكلة في إنسانيتنا التي لم تتحرك مع الشعوب التي أبيدت في الماضي حيث لم يكن التوثيق المصور موجودا.

عبر التاريخ وغبر الجغرافيا، حمل الإنسان شعار مركزيته بين المخلوقات وعَبَّرَ عن ذلك باستغلال كل الموجودات في هذا الكوكب اليتيم، فكان يبذل جهده في الأرض ثم يكرهُ أن يرثه غير أولاده بعد التعب، فكان الأحفاد يرثون ثم يُقاتلون في سبيل الحفاظ عليها و تمريرها لسلالتهم، هكذا حتى تكونت حدود الأراضي و أحقية الممتلكات التي كان يمتلكها الكل فتجزأت، ثم كبرت المفاهيم فرُسِمت معاني الوطن من وطنية و كرامة و شرف و موت في سبيله و ذودٍ عن الحدود.

وتكتلت الشعوب وظهرت الحضارات، و من خلال دراسة أغلبها التي قامت نجد أن أغلبها قام على السرقات، لن نجد في التاريخ حضارة لم تقم على السرقة، والاستثناءات القليلة كانت لها ظروفها، وتلك التي لم تكن لديها أطماع توسعية لم تستمر. ونحن نعلم أن من لا طموح توسعية لديه لا يمكن أن يستمر في بناء الحضارة.

إن حضارات اليوم لن تختلف عن سابقاتها، ولأن استمرارها لا يكون إلا بأطماع توسعية و سرقات مستمرة فإنها تحافظ على نفسها من خلال سوريا، فلسطين، اليمن، وغيرها، والعجيب أننا نُعجب بحضارات ماضية دون أن نُعجب بحضارات اليوم، ودون أن نرى أوجه التشابه والاختلاف بينها، و لأننا لا نتعلم من التاريخ فإننا لا نلتفت لضحاياها التي قامت على جمامجمها، دول و شعوب أبيدت تماما وهاهو نفس الشيء يحدث اليوم.

المشكلة في إنسانيتنا التي لم تتحرك مع الشعوب التي أبيدت في الماضي حيث لم يكن التوثيق المصور موجودا في ذلك الزمن، ولو وجدناه لوقعنا منهارين مما حدث من تقتيل بالآلاف و ذبحٍ للنساء و سلخٍ للأطفال وتنكيل. لكن أدمغتنا لا تتأثر كثيرا ولا تفهم أكثر من الصورة.

تعجبنا حضارة الآكاديين وسومر وبابل و الفراعة و الرومان، وكل هؤلاء سحقوا جيرانهم، إلا أنه لم يُقدّر للتصوير أن يُلحقنا بما حدث. وبناء على ذلك نتساءل كيف لأمريكا أو الاتحاد الأوروبي أن يحافظ على حضارته دون أن يمتص دم شعوب تعيش بين بحار النفط؟

يجب أن نعترف بأننا لم ننتبه للمقابر التي دُفن فيها الضعفاء القدماء… ونحن هم الجانب الذي سيغفل عليه دارسوا التاريخ في القادم من العصور.

إن التاريخ لن يرحمنا نحن – وليس هم- والدليل على ذلك أننا أحببنا حضارات الماضي دون النظر في شقها الدموي الذي يتفوق على الشق الحضاري الآخر بمراحل، والعنصر الوحيد المفقود كان الصور والفيديوهات.

ولهذا فإن إنسان المستقبل لن يعجب بشيء إلا بحضارة الأوروبي و الأمريكي وما حققوه من تقدم، وكما أن كل حضارة كانت محاطة بمقابر ضحاياها من عمال و جنود وقتلى الحروب البريئين من أطفال ونساء، فنحن اليوم بمقارنة بسيطة هم من يحيط بحضارات اليوم.

يجب أن نعرف بأننا إخوة من ماتوا تحت أنقاض الحضارات القديمة، ونحن بكل بساطة وقود حضارات اليوم الذي تشتعل به وتزدهر، لا يمكن أن نعتبر أن هذا العصر استثناء كما يجب أن نعترف بأننا لم ننتبه للمقابر التي دُفن فيها الضعفاء القدماء من التاريخ وعليه فنحن هم الجانب الذي سيغفل عليه دارسوا التاريخ في القادم من العصور.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.