شعار قسم مدونات

الإعلام المُضلل

blogs- media

خلال تصفح سريع لأكثر من موقع إخباري على شبكة الإنترنت يمكن لأي شخص أن يكتشف الكم الهائل من الأخبار المتناقضة، والكاذبة بالحد الأدنى والمضللة أحيانا من خلال عناوين جذابة. وهذا فقط على مستوى المواقع الإخبارية على الأنترنت ناهيك عن القنوات المرئية والمسموعة والصحف وغيرها.

ولا شك أن الإعلام اليوم بات منقسماً إلى عدة أفكار وأجندات كل منه يسعى إلى تحقيق أهدافه سواءً كانت أهدافاً نبيلة أم غير ذلك وإن كان معظمها يحمل نوايا خفية ومضللة، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث إرباك كبير داخل المجتمعات باختلاف ثقافاتها وتوجهاتها.

في القرون الماضية كان الاستعمار يحتل بلدان العالم الثالث بقوة السلاح ولكن اليوم باتت الحرب الإعلامية وسيلة ناجعة لغزو شعوب هذه البلدان.

ومع استمرار التدفق الهائل للمعلومات والأخبار التي تتلقاها الجماهير في معظم المجتمعات، وخاصة المجتمعات العربية تفشت ظاهرة الإعلام المضلل بتفشي التشويه والتضليل التي تتبعها وسائل الإعلام لتحريف دورها عن مساره الصحيح.

إن وسائل الإعلام الحقيقية هي التي تعمل على إثراء وجدان وعقول الجمهور المتلقي؛ مما يزيد من مدى ثقافته وتأهيله وإدراكه وبالتالي تفاعله مع المجتمع الذي من حوله، وليس ببث المعلومات والأخبار التي تبعد الجماهير عن الواقع وتجعله وكأنه يعيش في مدينة فاضله.

حينما يستفيد الفرد مما يقدم له الإعلام فإنه يصبح مواطنا صالحا يحترم كل من حوله، وبالتالي ينصلح حال المجتمعات عبر ربطها بما تناقشه من قضايا اقتصادية واجتماعية الأمر الذي يؤدي إلى تكاتفها وصمودها في وجه التحديات التي تواجهها.

لكن مع تنامي وظهور وسائل التواصل الاجتماعي أصبح الحصول على المعلومة أمراً سهلاً وسريعاً مما خلق تمردا على وسائل الإعلام المضللة، ومع ذلك يبقى أمراً ليس سهلاً في ظل وجود الإشاعات وانتشارها وفبركة المعلومات التي تكون أحياناً بطرق منظمة ومجدولة.

في القرون الماضية كان الاستعمار يحتل بلدان العالم الثالث بقوة السلاح ولكن اليوم باتت الحرب الإعلامية وسيلة ناجعة لغزو شعوب هذه البلدان ويتم هذا الأمر عبر خبراء في شتى العلوم كعلم النفس من خلال معرفة الطرق المستخدمة في التأثير على عقول الجماهير.

يقول الفيلسوف الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه الشهير سيكيولوجية الجماهير " الجماهير تحركها العاطفة ولا تؤمن بالمنطق " وهذا أحد الأساليب المتبعة لوسائل الإعلام المضللة، فهي التي قد تجعل من حدث صغير مثلاً أمراً عظيما مرفقة بذلك مشاهد مكررة لذلك الحدث.

نعترف بوجودنا وسط واقع إعلامي خطير لا يعترف بالمهنية ويجاهر بالتضليل والتشويه، الذي لا يتوقف عن العمل مدار الساعة.

إن ردة الفعل الملاحظة على الكثيرين وانزلاقهم في أمواجها تؤكد ما ذهب إليه لوبون، فالجماهير هنا وهي تتابع الأحداث المتكررة لا تتابع غالبا حيثيات ما جرى من الناحية المنطقية وإنما تكتفي بنتائج هذه الأحداث التي تعرض في سياق نشرات الأخبار.

الإعلام المضلل  تعدى مسألة التأثير على الجماهير حتى وصلت لحدة التنافس بين وسائل إعلام مختلفة، تتسابق لنيل شهرة أوسع من خلال تجميل المحتوى بقوالب جاذبة وإيهام الجماهير بأنها تمتلك الأخبار الحصرية من أجل استقطاب القراء والمشاهدين والمتصفحين ويحدث كل هذا على حساب المهنية والمصداقية.

خلاصة الأمر، نعترف بوجودنا وسط واقع إعلامي خطير لا يعترف بالمهنية ويجاهر بالتضليل والتشويه، الذي لا يتوقف عن العمل مدار الساعة ويستهدف الكثير من الجماهير التي تعيش ضمن مجتمعات كبيرة في محيطات ملتهبة، مما يترتب على الكثير من الباحثين والمثقفين المطلعين على هذه الظاهرة مسؤولية كبيرة في تحذير الأفراد والمجتمعات من خطرها وتوجيههم نحو الطرق الأمثل في تلقي المعلومة الصحيحة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.