شعار قسم مدونات

الله يعذب صغارنا

Blogs - أطفال
سألني صغيري ذات مساء عقب عودته من يومه الدراسيّ "يا أمي ما يفعل الله بعذابنا المستمر الذي لا ينقطع، أخلقنا كي يعذبنا ويحرقنا على كل شيء نفعله؟! ولما هو يكرهنا هكذا؟" فما كان مني إلا أني اصطدمت بأفكار صغيري المشوهة ولكن لم أنهره بل سألته من أين جلب هذه الأفكار، فأخبرني أن معلمته لا تنفك تعلمهم وتخبرهم أنهم إذا لما يأتوا الصف مبكرين فسيعذبهم الله وأنهم إذا لم يذاكروا سيحرقهم الله وإذا لم يصمتوا خلال الدرس فسيغضب منهم الله"

 

ذات يوم زرت صديقة لي فأتت ابنتها ذات الخمس سنوات تلعب في محيطنا، فإذا بها تكسر أحد الأطباق، فإذا بصدقيتي تصرخ فيها قائلة "الله لا يحبك لأنك تغضبين أمك" وأتبعتها بقولها "إذا لم تجلسي هادئة وتسمعي الكلام سوف يدخلك الله النار" وجلست لبرهة أحاول ربط الأحداث وفعل الصغيرة التي لا تعيي أي شيء بما سيفعله الله بها وبالنار وكرهه الله لها فجأة لمجرد كسرها لطبق!

 

من أبشع الجرائم التربوية في حق الصغار أن يجعل المربيان أساسهم العقائدي ممسوخا فيجعلون العبادة رهبة والطاعة خوف والدعاء بالمغفرة ليس فيه رجاء بالعفو بل خوف من العذاب، والجنة هروب من النار ليس إلا

هكذا يمثل الله لدى كثير من أطفالنا "الله سيدخلك النار، الله لا يحبك، الله سيغضب منك" وكأن الله أصبح عند البعض أداة عقاب يتم التخويف بها كي يكف الطفل عن فعلٍ معين أو يطيع الآمر في أمر معين، ما دخل الله بهذا والطفل لا يدرك ما هو الله بعد وما يفعله وما ماهيته وما هي صفاته، فلا يستقي الطفل سوي ما يعطى له، الله "يغضب، يعاقب، يعذب، يدخل النار ويحرقنا فيها"

 

ينشأ الطفل كارها للذات الإلهية مما استقاه من مربيه عن ماهية المعذب الذي لا يحب، في حين علمه أن بيده كل شيء، فإذا ما كان مالك أمره ودنياه وآخرته التي لا يفقهها بعد سيعذبه ويحرقه فكيف سيحبه ويكون هناك رباط وصل وثقة ومحبة خالصة لله الذي سوف يحرقه ويعذبه، لمجرد كسره للعبة أو عدم نومه أو عدم سماع كلام أمه، وإذا ما وجهنا المربي أو نهرناه على فعله لا نجد رداً غير أن الطفل يطيعه هكذا.

 

هذا أمر فيه جل الحماقة، فالطفل لا يخاف في الأساس من الله المجهول بالنسبة له، فهو لا يعلم عنه شيء ولكنه يخاف ماهية العقاب المجردة، فهو لا يخاف الله في حد ذاته ولكنه يخاف العقاب، ومن الهزلية أن نربط العقاب بالله فنظن أن الطفل يخاف الله، كيف وهو لا يعلم من هو الله سوى أنه معذب أو معاقب فهو يخشى العقاب من أيٍ كان فيطيع الأمر.

 

من أبشع الجرائم التربوية في حق الصغار أن يجعل المربيان أساسهم العقائدي ممسوخا، فيجعلون العبادة رهبة والطاعة خوف والدعاء بالمغفرة ليس فيه رجاء بالعفو بل خوف من العذاب، والجنة هروب من النار ليس إلا، ليس حباً أو رغبة فيها، أن ينشأ الطفل على الخوف بدلاً من الأمان وأن ينشأ على الكره بدلاً من الحب، ثم بعد كل هذا التشوه العقائدي يريد المربيان أن يجدا في أبنائهما محبة للعبادة ولذة في قرب الله!

 

كيف وهذا الابن نشأ على الهروب من النار والعذاب بالعبادة، فكيف سيجد اللذة ومتعة القرب وعظمة الخشية المملؤة بالمحبة؟ كيف سيجد الشوق وانتظار الصلاة واللهفة حين الأذان وهو لم ينشأ إلا على مفهوم التعذيب والحرق المصاحب للذات الإلهية، فما كان منه إلا أن أصبح مسلماً بالوراثة وهذا هو حال 85% من أبناء أمتنا دون مبالغة، فإذا قارنّا عدد المسلمين علي الفطرة السليمة، ولا أتحدث عن العلم أو الجهل ولكن الفطرة السليمة، سنجد أن من صح الحب في قلوبهم لله مقارنة بمن يعبدون الله كفعل روتني يومي، هذا إذا استحضروا العقاب أو الثواب، هم يؤدنها هكذا فعلاً روتينياً على ما جبل عليه في أصل تأدية العبادة المنقذة من النار ثم تأقلم عقله على هذا فما صار يستحضر شيئاً.

 

التربية على عقيدة سليمة متصلة بجلال ورحمة ومَن ومحبة الله هي من تجعل من الطفل مسلماً سوياً فالله يجب أن يرتبط معه مفاهيم الحب والعفو والرحمة والجمال فكيف سنجعل من صغارنا أناسا أسوياء وقد دمرنا فيهم كل جميل وكل أصل ثابت متصل بعظيم رحيم في السماء العليا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.