شعار قسم مدونات

الثورة عندما تصنع القدر

blogs - syria
فرقُ كبير بين ما نعيشهُ في زمن الحرب وبين ما نحلم به في مخيلتنا، فلم يكن الله ليتدخل في أفعالنا وقد وهبنا حرية الاختيار، ولم يختار القدر واقعنا المعاش لولا انجرارنا له من قبل شريحةٍ من المجتمع السوري لديها قابلية للتأقلم مع حياة مغايرة تماماً عما كانت عليه قبل خمس سنوات.

 

عندما بدأت الثورة في سوريا لم يكن أحد يمتلك مخليه إبداعية يستطيع من خلالها التنبؤ بتطور الأحداث في سوريا، ولم يُوجد ذلك "الشخص الأفلاطوني" لكي ينظر إلى نصف الكأس الفارغ، ولا حتى يراقب الأحداث عن طريق التلسكوب، والسبب كان منطقي لشعب عان من الظلم و الاستبداد على مدار أربعة عقود من الزمن كانت كفيلةً لاستغلاله الفرصة أن ينتفض بشكل عاطفي بشكل غير منظم ليعبر عن صرخةٍ الحرية التي لطالما نشد لها، فكانت فكرة التظاهر السلمي سمة مجبولة ومتلازمة لغالبية النسيج السوري على أمل أن تحقق صيحاته قبولاً لكل من يدافع عن كرامة الإنسان وحقوقه المدنية، مستندين بذلك على أحقاب تاريخية حققت المطلب الشعبي عند نهاية المطاف.

تبين أننا كشعب سوري وقعنا بحزمة من الأخطاء البنيوية تراكمت على مدار خمس سنوات، وهي ذاتها الأخطاء التي أجابتنا على الأسئلة الأولى، وأهمها لماذا الغرب يتحكم بنا وهو من سيقرر مصيرنا؟

ومع مرور سبعة أشهر من الحراك السلمي، دخلت الثورة مرحلة جديدة من حراك سلمي إلى العمل المسلح، لأن النظام أرادها أن تكون كذلك بناء على مخطط رُسم له من الخارج، فاختار أن يكون أداة بدلاً من أن يكون المنصف لشعبه المغتصب من قبل مؤسساته العسكرية.
 

فالنظام على الرغم من كل دناءته، فقد صدق بالعديد من الخطابات على لسان "نيرون دمشق" عندما قال أكثر من مرة "سورية لمن يدافع عنها وليس لمن يحمل جنسيتها"، وعندما قال "أن الحرب ستنتقل إلى الجوار لتتحول إلى حرب إقليمية"، فقد صدق بها لأن غايته الشر والباطل، هو تماماً الفارق الكبير الذي لم ينتبه له غالبية المطالبين بسقوطه خلال أشهر.

فلم يكن أحد متوقع أن الحرب ستستمر لمدة خمس سنوات، وتنتقل من سوريا لتتصدر وتصبح القضية الثانية بعد القضية الفلسطينية وربما أكثر، وتنتقل من القرار الداخلي إلى مصير الداعمين لتحقيق أجندة لدول التي رأت في سوريا خيرُ مكان لتصفية حسابات وتكسير لنوايا دول عن طريق حماية رأس الهرم في دمشق.
 

واليوم وبعد خروج سوريا من إرادة السوريين أنفسهم وعدم قدرة النظام أن يكون أداة تأثير على شبر واحد من سوريا، تتضح الصورة أكثر لتجيبنا عن الكثير من الأسئلة التي طُرحت منذ عدة سنوات، أولها لماذا ارتبط مصيرنا بيد الغرب؟ ولماذا لم يتم تعبئة الطاقات البشرية السورية بمكانها الصحيح؟ ولماذا لم تنتج الثورة جسم سياسي وعسكري واحد يكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضواً تداع له سائر الجسد بالسهر والحمى؟ يمكن بهذا الصدد تفنيد الأمور بعناوين عريضة وفي وقت لاحق نفصل المراحل كلٍ على حدا.
 

سوريا بعد خمس سنوات لا شك هي اليوم بحاجة إلى معجزة على يد أبنائها، فأهل سوريا هم أدرى بشعابها، فبعد كل هذا الدمار في البنى التحتية، ومقتل أكثر من مليون سوري، وتهجير أكثر من نصف الشعب السوري بنزوح داخلي أو بهجرة خارجية، "ناهيك عن مسلسل التهجير القسري ضمن حدود الوطن، وتصفية أشرف قادات الفصائل وإقصاء أصحاب ذوي الخبرات من سياسيين وعسكريين، وتصدير المشهد لمتسلقي الدماء السورية لتحقيق مكاسب شخصية، وتركيز الفصائل على الاقتتال المناطقي"، تبين أننا كشعب سوري وقعنا بحزمة من الأخطاء البنيوية تراكمت على مدار خمس سنوات، وهي ذاتها الأخطاء التي أجابتنا على الأسئلة الأولى، وأهمها لماذا الغرب يتحكم بنا وهو من سيقرر مصيرنا؟

فشلنا وأُفشلنا بآنٍ واحدٍ معاً بسبب غياب العمل المنظم وتكليف الأمور إلى غير أهلها، واليوم لم يعد بالإمكان النظر إلى الوراء ولا يمكن أبداً الاقتناع بسلطة الاستبداد.

فترى اليوم معظمنا أصحاب القضية يراقب من بعيد، ومنهم من يشكل كيانات سياسية "فيسبوكية"، وآخرون تراهم يعلنون عن اندماج فصائلي مرتبط بداعم جديد، لدرجةٍ دخل اليأس عند الكثير منا من خلال مسلسل المفاوضات والمصالحات التي خطط لها النظام عقب مرور العام الأول من الثورة في 2012 بتخطيط وتنسيق مع نظام "الملالي" في طهران الرامي لتحقيق ولاية الفقيه من العراق إلى سوريا وصولاً إلى البحر المتوسط.
 

ففشلنا وأُفشلنا بآنٍ واحدٍ معاً بسبب غياب العمل المنظم وتكليف الأمور إلى غير أهلها، واليوم لم يعد بالإمكان النظر إلى الوراء ولا يمكن أبداً الاقتناع بسلطة الاستبداد.
 

كفانا اليوم أننا أدركنا مدى جهلنا وحجم أخطائنا والتي دخلت بشكل حتمي بحكم القدر وقد تعود علينا بالنفع على يد من تبقى من الشرفاء السوريين الواعين لحجم المخاض الذي نمر به، وخير مجال للتصحيح ألا نكتفي بكلمةٍ القدر، بل علينا صناعة قدرنا بأنفسنا بالعمل والمواظبة على تصحيح ما أفسده أمراء الحرب وغرف الموم والموك وسياسيات غرف صناع القرار الأمريكية والاسرائيلية عبر صناعية التغير بتعبئة الجماهير المتطلعة لمستقبل واع بإعلان ثورة ضمن الثورة والبدء من جديد.

فإما أن نحقق الحرية أو نموت من أجلها، عندها يكون موتنا يوازي ويوافق مفهوم القدر.. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.