شعار قسم مدونات

حنين المسمار إلى مطرقته

blogs-إيران وفرنسا

"مُوّ" جبهة يسارية جديدة في فرنسا "تتبنى المزيد من الدّعاية ضدّ الإسلام والمسلمين واعتبارهم دخلاء على أوروبا" هو مجرّد امتداد للحملات العدائية السّابقة التي نجحت في الوصول إلى البيت الأبيض في الولايات المتحدة الأمريكية.

لا شكّ أنّ السّياسية العالمية في الغرب والشرق ضدّ المسلمين كانت نتيجة جهود ضخمة صُرفت عليها المليارات من الدولارات لتمرير نمط جديد من سياسات فرض الأمر الواقع على سير الأحداث في الشرق الأوسط وجعلها تتماشى مع التحرّكات العسكرية التي يشهدها العالم، تفكّكت وستتفكّك بسببها اتفاقيات عسكرية واقتصادية.
 

بعد انتهاء الغرب من رسم الحدود السّياسية للدّول بعد الحرب العالمية الثانية عبر تقطيع أوصال الدّولة العثمانية كان لابد من منعهم إعادة تأسيسها مرّة ثانية بأي شكل من الأشكال ولتحقيق ذلك احتفظ الغرب وما زال يحتفظ لكل دولة بمسمار يُضرب في نعشها إذا ارتأت أنها تهدّد مصالحه العليا.

ذرف العالم دموعا سخية على ضحايا هجمات باريس لمقتل عدد من مواطنيها وفيهم مسلمين، بينما حرقت الفلوجة وتحترق مدينة حلب وغيرها من المدن السورية ولم يتحرك دعاة محاربة الإرهاب.

من أشد المسامير فتكا بالأمّة كان احتفاظهم برأس الثورة الإسلامية الإيرانية في باريس لاجئا. فالغرب والشّيعة أعلنا صراحة من خلال تصريحات قيادتهما السّياسية والعسكرية أنّهما في حالة حرب "ضدّ الإرهاب".
 

فالحركات الشيعية المسلّحة تزحف على المناطق السّنية وفقا لمخطط ملء الفراغ السّكاني تحت غطاء طائرات التّحالف الدّولي بقيادة أمريكا في سوريا والعراق وبعضها في اليمن تحت رعاية ضغوطات نفس الدولة بالتنسيق مع الدّبلوماسية الأوروبية التي تسعى إلى تثبيت قدم للشيعة على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السّعودية.

النّشاط العسكري لهذه المليشيات الشيعية باتجاه الحدود التّركية وتسارعها إلى إعادة بناء نسيج سكاني جديد على أنقاض المُهجّرين في العاصمة السّورية وريفها ونية القيادة الدّينية المركزية في طهران إقامة قواعد عسكرية على سواحل البحر المتوسّط ومراقبتها لحركة الملاحة البحرية في مداخل الخليج العربي يوحي بوجود محرّك احترافي متخصّص يرقى مقامه عن مجرد مليشيات مسلحة.
 

فهم لا يريدون السّلم ولا التّعايش مع السنّة وفقا لقرارات مجلس الأمن ولو بصفتهم منقلبين عسكريا على نظام حكم شرعي في اليمن أو بصفة شركاء سياسيين لسنّة العراق وقد تملّصت جلّ تحركاتهم العسكرية من الاتفاقيات المبرمة سابقا مع السنة العراقية من خلال صناعة كيانات دينية عسكرية موازية للدّولة.

نظرية ظهور المهدي وتحرّك نائبه "ولاية الفقيه" للتمدّد أكثر وكسب العدد الكافي من الأنصار والمؤازرين للقائد العظيم لا ينقصها إلا الجغرافيا لقيام الخلافة الموعودة فكيف لهم أن يتراجعوا؟ بناء سلام هو بمثابة استسلام وتراجع عن عقيدة دينية تتحرّك بغطاء سياسي خارج الحدود المتعارف عليها دوليا.
 

فهم في موقع القوة التي صنعها لهم الغرب وهو المسمار الذي أرسلته باريس في طائراتها إلى إيران بعد الانقلاب على الشاه وتنصيب إمام الثورة العابرة للحدود المؤسس لها وفقا للدستور لتحطيم الحدود السياسية للدول العربية والإسلامية، حيث بدأ مفعول المسمار يعمل لتدمير السعودية قلب العالم الإسلامي.

الخطة أكبر من فرض حلول والبحث عن سلام مع المعتدين وهذا هو سرّ التقاء المسمار بالمطرقة التي يسمي الغرب نفسه بها في كل مناسبة يريد اقتلاع حكومات دول معيّنة. التقى إذن ترمب وماري لوبان وبيغيدا الألمانية وممثلي الجبهة اليسارية الفرنسية في جبهة مع الشيعة لضرب استقرار العالم الإسلامي وخاصة السعودية إلى درجة التهديد الفعلي والمباشر لمكة المكرمة.
 

هل اختلط على العقلاء احتضان الدبلوماسية الغربية للبرنامج النووي الإيراني؟ أو الدبلوماسية الأوروبية الناعمة تجاه الحوثيين في صنعاء؟ أليس لطهران دستورا يصدر أكثر مما يستورد؟ ألم يقرأ العرب الدستور الإيراني حيث يشير في باب "أسلوب الحكم في الإسلام -حيث يقول- وبالنظر إلى محتوى الثورة الإسلامية في إيران، التي كانت حركة تهدف إلى نصرة جميع المستضعفين على المستكبرين، فإن الدستور يعدّ الظروف لاستمراريّة هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، خصوصاً بالنسبة لتوسيع العلاقات الدولية مع سائر الحركات الإسلاميّة والشعبيّة حيث يسعى إلى بناء الأمة الواحدة في العالم "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" الأنبياء 92، ويعمل على مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة في جميع أنحاء العالم.
 

بدأ الحرس الثوري العراقي في التشكّل تحت راية دينية وسُنّت القوانين لحمايته وتحريره ماليا وعسكريا واقتصاديا من السّلطة السّياسية المختلطة في العراق قصد ربطه مباشرة وتثبيت ولائه إلى ولي الفقيه في إيران من خلال تفوّقه العسكري المتعمّد وبسط سيطرته على كامل المناطق الغنية بالنفط وتمكينه من البنى التحتية للدولة عبر مراحل.
 

ذرف العالم دموعا سخية على ضحايا هجمات باريس لمقتل عدد من مواطنيها وفيهم مسلمين، بينما حرقت الفلوجة وتحترق مدينة حلب وغيرها من المدن السورية ولم يتحرك دعاة محاربة الإرهاب لأن القاتل عضو دائم بمجلس الأمن، فلو لم تكن على هذه المجازر من مصلحة دعاة الحرية والديمقراطية لتحركت لإنقاذ ما تبقى من حقوق البشرية في حلب.

تتحرك الدبلوماسية الغربية وتتخذ قرارات تاريخية وفقا للأحداث على الأرض بينما تسير الدبلوماسية الإسلامية بحياء حتى في الدفاع عن نفسها.

لكن بالنّظر إلى السّياسة الدولية تجاه الإرهاب من خلال السّكوت على تنظيم الدّولة لعدّة سنوات ومحاربة كل مظاهر التديّن لدى المسلمين في الغرب ونشر الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، عزّزت ماري لوبان موقعها في فرنسا ووصل دونالد ترمب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ونرى اقتراب بيجيدا يوما بعد آخر من البوندسرات، وأصبحوا الوحيدين القادرين على تمثيل السّياسة الغربية الحالية تجاه الإسلام والمسلمين لتوفير الجوّ المناسب للتطوّرات العسكرية على الأرض.
 

تتحرك الدبلوماسية الغربية وتتخذ قرارات تاريخية وفقا للأحداث على الأرض بينما تسير الدبلوماسية الإسلامية بحياء حتى في الدفاع عن نفسها، في الوقت الذي كنا ننتظر من منظمة التعاون الإسلامي ردا موجعا ولو استراتيجيا على اعتداء صالح والحوثي على مكة. فضرب مكّة يعني ضرب مقدسات الدول الإسلامية وهذا تصرف عسكري قد يبني عليه أعداء الإسلام الكثير من القواعد والخطط من النّاحية الأمنية لكن أقلّ ما يمكن القيام به من التحالف العسكري الإسلامي هو التحرّك لإنشاء قوّة عسكرية قد تكون نواة التّحالف التي قد تسمى فيما بعد مثلا "المجلس العسكري العالمي لأمن الحرمين" يعمل على رسم خطط ردع وتدخل سريع يكون عسكريا وحسما لا يأخذ إذنه من أحد ولا يحتاج رخصة من الأمم المتّحدة ولا من غيرها.

بالإضافة إلى الشروع في كتابة عقيدة لهذا "الحرس العسكري العالمي لأمن الحرمين" ولتترك له حرية التّصرف والتّحرك العسكري الخاطف لدرء أي خطر مستقبلا حتّى لا يتجاهل أي "أحمق" مكانة مكة والمدينة في قلوب المسلمين ولتكن رسالة جزاء لكل من تطاول على المقدسات إذا لم تكن القرارات بهذا الشكل فلا فائدة منها ككيانات علمية بدون تأثير على السياسة الدولية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.