شعار قسم مدونات

مع القليل من السياسة يصبح كلُّ شيء مباح

blogs- حلب

"ما لم تتعامل بالسياسة ستكون ضحيةً لسياسات الأخرين"
ما هي السياسة التي ينبغي أن تتقن فنونها لتبقى حاكماً لدولة بين الدول؟ وما هي الأحكام التي يجب أن تتبعها حتى تحظى بفرصة البقاء ضمن النسيج الدولي؟ ولنتعمق أكثر في هذا الموضوع دعونا نتطرق بدايةً لسبل الوصول إلى الحكم.
 

إنَّ أكثر الطرق المتعارف عليها للوصول للحكم والتي تعدُّ الطريقة الأكثر شرعيةً بمفهوم العالم لنيل الاعتراف الدولي هي الطريقة الديمقراطية التي يختار فيها الشعب من يحكمه وفق الانتخابات وصناديق الاقتراع ليصلوا للشخص الأنسب الذي سيقودهم لما يخدمهم. وتعدُّ العملية الانتخابية شأناً داخلياً محضاً يختص به أبناء البلد بعيداً عن آراء وتوجهات وإملاءات الخارج. وهنالك أيضاً الأنظمة التي تعتمد انتقال السلطة بالوراثة ضمن العائلة الحاكمة من الأب للابن والأقارب وهذه الطريقة للوصول للسلطة تعتبر اتفاقاً مسبقاً وتفويضاً من الشعب للعائلة الحاكمة بتولي شؤون البلاد.
 

جميع الذين ساهموا بدمار سوريا على الملأ يعقدون الاجتماعات من أجل حقوق الإنسان وبمسمى أصدقاء سوريا علماً أن أغلبهم ألدُّ الأعداء لسوريا لكن السياسة تقتضي ذلك.

ومن طرق الوصول للسلطة أيضاً الانقلابات العسكرية التي يقودها ضباط وعسكريون من داخل الجيش الوطني للبلاد ليتسلموا مقاليد الحكم بالقوة، وهذه الطريقة للوصول للحكم غير شرعية حسب القانون الدولي وتستدعي مقاطعة الحكومة الانقلابية كوسيلة ضغط، وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ الانقلاب يكون غير شرعي في حال كانت الحكومة المطاح بها قد وصلت للحكم بطريقةٍ شرعيةٍ.
 

ولا ننسى طريقة الوصول للحكم من خلال التمرد المسلح للعصابات والتنظيمات السرية التي تحاول أن تصل للحكم من خلال إعلان الحرب ضد السلطة الحاكمة، التي عادةً ما تكون حرب عصابات طويلة الأمد أو مباغتة تُسقط الحكومة بشكلٍ مفاجئ، وتعدُّ هذه الطريقة وفقاً للسياسة الدولية من موجبات التدخل الدولي للتخلص من هذه التنظيمات التي تعتبر في قاموسها إرهابيةً تهدد العالم ويجب محاربتها أينما وجدت.
 

وتعتبر الثورات الشعبية طريقة ليست للوصول للحكم بل لتغيير الأنظمة الحاكمة وهي طريقةٌ خطرةٌ قد تنحرف عن مسارها تحت أدنى ضغط وذلك يعود لهشاشة قوام الجماهير وسهولة اقتيادهم، وتعدُّ هذه الطريقة ذات شرعية دولية لأنَّها نابعة من حقِّ الشعب في اختيار من يحكمه.
 

هنا أكون قد تطرقت إلى أغلب الطرق المتبعة في وقتنا الحاضر للوصول للحكم وصنفتها وفقاً لشرعيتها بمقياس الأعراف والقوانين الدولية السائدة، وتعتبر الطريقة الديمقراطية هي الطريقة الشرعية المرغوبة التي يدعو لها العالم ليل نهار عبر الوسائل المتاحة انطلاقاً من مبدأ "الشعب يحكم نفسه بنفسه".

إذاً أين السياسة في الموضوع؟
السياسة هي أن تدعو لشيء وتعمل وتخطط لشيء آخر. حين أقول أنني أدعم الشرعية وأؤيد إرادة الشعب في دولة ما هذا لا يعني أنني سأقف مع الشعب في اختيار رئيسه الذي لا يتماشى مع مصالح دولتي بل سأعمل كلَّ ما بوسعي كي أحبط هذه الشرعية وأضع من يناسب مصالحي.

وهذا لا يكون على العلن بل يكون في غرف الاستخبارات السرية التي تبدأ تحرك القوى الخفية لديها إما من خلال ضباطٍ عملاء لها في الجيش لتعدَّ انقلاباً أو من خلال إثارة الفوضى وتفجير الموقف عبر التنظيمات الإرهابية المدعومة من قبلهم، وفي حال كانت إثارة الفوضى لا تصب بمصلحتهم يتخلصوا من غريمهم بصمت من خلال الترتيب لاغتيال أو تفجير تتبناه التنظيمات الإرهابية. لا يبدو هذا صعباً في وقتنا الحاضر فهذا زمن الاستخبارات الدولية الذي أصبح فيه العالم غرفة صغيرة تدار بسهولة، هذا مما جعله محكوماً بقوانين أشد فتكاً من قوانين الغاب فكل شيء فيه مباح مع قليل من السياسة.
 

لقد كان من الهين على الدول الرافضة للثورة السورية أن يحرفوها عن مسارها ويضعوها في إطار خارج عن إطارها المشروع حتى يتمكنوا من وأدها أو استثمارها لصالحهم، فما كان منهم إلا أن دفعوا الناس للتسليح ثم سمحوا لهم بالتقدم الملموس على قوات النظام ثم بعثوا المقاتلين الأجانب ثم اتهموا الثورة بالإرهاب ثم ساهموا بمحاربة الإرهاب ثم دعموا النظام.

القضية لم تكن يوماً قضية قيم ومبادئ تحترم وتأخذ بعين الاعتبار للوصول للحكم، إنما هي مخططات وسياسات يراد بها إقصاء طرف عن الحكم لأنَّه يتعارض مع مصالحهم.

كلُّ هذا راح ضحيته مئات الآلاف من البشر ومئات المدن التي دمرت عن بكرة أبيها وخلفت ملايين من المهجرين، هذا بمقياس الدول ليس له أي اعتبار لأنه يصب في مصالحها، القيم الإنسانية لا معنى لها أبداً فهي فقط للترويج والإعلام، جميع الذين ساهموا بدمار سوريا على الملأ يعقدون الاجتماعات من أجل حقوق الإنسان وبمسمى أصدقاء سوريا علماً أن أغلبهم ألدُّ الأعداء لسوريا لكن السياسة تقتضي ذلك.

ولو استعرضنا بعض التجارب التي قامت بها الجهات الإسلامية للوصول للحكم والطرق التي اتبعتها لوجدنا أن معظمها باءت بالفشل والتي كتب لها النجاح وضعت لها العصي في الدواليب كي تتعثر في مسيرتها وتسقط، إن الجهات الإسلامية حين تعزم الوصول للحكم ستجد أمامها طريقين إما صناديق الاقتراع والانتخابات أو الطرق غير الشرعية..

وحين اختاروا الطريق الأول المشروع دولياً بعد ثورات الربيع العربي لاحظنا في مناطق مثل مصر أو تونس أن أحزاب إسلامية دخلت في الانتخابات وحققت فوزاً ساحقاً أوصلها إلى الحكم، فما كان من الدول التي تتعارض مصالحها مع ذلك إلا أن جهزت للانقلابات وللثورات المضادة حتى أطاحوا بهم، هذا ما حصل للجهات الإسلامية التي فكرت أن تصل للحكم بطريقة شرعية إذ لم تعار الطريقة التي وصلوا فيها للحكم أي احترام أو أي اهتمام.
 

إذاً القضية لم تكن يوماً قضية قيم ومبادئ تحترم وتأخذ بعين الاعتبار للوصول للحكم، إنما هي مخططات وسياسات يراد بها إقصاء طرف عن الحكم لأنَّه يتعارض مع مصالحهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.