شعار قسم مدونات

ليلة في حلب

blogs - حلب

"أحمد أوعي تموت يا أحمد خليك معي اصمد" كلمات قالها بلهجة شامية يخاطب فيها فتى صغيرا مدرجا بالدماء يبدو أنه طفله كلمات قالها وكأنها طلقات رصاص تفت في صدري لتخاطب ضميري الميت مثل ضمائركم منذ أمد بعيد كلمات تختصر أمدا طويلا من المهانة والإزلال والضعف وتنتقل الصورة في الفيديو إلى رجل يحترق حيا في شارع مدمر تكسوه سحائب الدخان الكثيفة من أثار القصف ولا يجد من يهب إلى نجدته أو يساعده إلا رجلا يلقي عليه وفي سرعة خاطفة غطاءا أو بطانية عسى أن تطفئ النيران وأنا لهذه النيران أن تنطفئ.

 

قفزت من مكاني مرتجفا باكيا لأستفيق بكل أنانية من هذا الكابوس المزعج ونظرت حولي.. أنا ما زلت على أريكتي وهرعت مسرعا إلى غرفة أولادي لأتفقدهم في أسرتهم وأُلملم حولهم الغطاء 

هذا المشهد ليس فيلما سينمائيا أو مشهدا دراميا من مشاهد هوليود إنه الواقع يا سادة إنها حلب.. حلب تحترق وتدك فوق رؤوس أهلها من الشيوخ والنساء والأطفال في ليلة قاسية شديدة البرد تحت حصار صارم قطع فيه الماء والغذاء والكهرباء من تحالفات جاءت من شتي البقاع – نظام بشار وروسيا والشبيحة وميلشيات الشيعة من حزب الله والعراق وإيران – كل هؤلاء القتلة ما جمعهم إلا هدف واحد وهو إبادة الشعب السوري على مرئي ومسمع منا نحن العرب والعالم.

 

هذا الرجل لم يجد ما يقدمه لابنه إلا أن يأمره بعدم الموت (أوعي تموت يا أحمد) وكأنه سوف يمتثل لأمره، ساعتها لم أتمالك دموعي حتى وأنا أكتب هذه السطور وبين إحساس بالعجز والغضب وجدتني أقضي ليلتي هذه في حلب وسط ظلام الشوارع المدمرة وفي بيت يتهاوي فوق رؤوسنا، أُلملم أولادي حولي أضمهم تحت زراعي لأشعرهم بأمان زائف عادة ما يشعر به الطفل مع والده بصرف النظر عن عجزه أراقب السقف تارة خوفا من انهياره فوقنا والباب تارة أخري خوفا من مداهمة المليشيات المتعطشة للدماء التي لا ترحم طفلا ولا شيخا كبيرا للمنزل وتدور في راسي الأفكار ماذا لو حدث ذلك ماذا أفعل؟

 

وفجأة قفزت من مكاني مرتجفا باكيا مرتعبا لأستفيق بكل أنانية من هذا الكابوس المزعج ونظرت حولي أنا ما زلت على أريكتي أمام التلفاز بجوار المدفئة هذا فنجان قهوتي الفارغ وهذه سيجارتي ما زالت مشتعلة في يدي نعم أنا ما زلت هنا وهرعت مسرعا إلى غرفة أولادي لأتفقدهم في أسرتهم وأُلملم حولهم الغطاء لأدفئهم في هذه الليلة الباردة وأمسح فوق رؤوسهم وأقول لنفسي أنا بخير أنا لست هناك.

 

ولكن حقيقة لم أشعر أنني بخير فمجرد ثواني معدودات من معايشة الأمر في مخيلتي فعلت بي ما فعلت فما بالك بالحقيقة المرة على أرض الواقع التي مهما ادعيت من إحساس وتعاطف فأنا كاذب في أحاسيسي كاذب في ادعاءاتي كلنا كاذبون -لسبب بسيط جدا ليس من سمع كمن رأي- نتستر برداء العجز الأناني الذي فرضه علينا الطغاة والفراعين بإرادتنا ومباركتنا وخنوعنا.

دعني أسألك أيها العربي هل تفقدت أطفالك في ليلة باردة هل مسحت فوق رؤوسهم هل قبلتهم في أسرتهم وهم نيام. هل تشعر بالنشوة لأنك مصري أردني سعودي إماراتي وليس سوري وهل أنت من اختار كونك في هذه البقعة الآمنة أم أنك كان من الممكن أن تكون أنت وأطفالك في هذا المكان وفي هذه الأحداث.

 

وهل تعتقد انه لم يأتي عليك الدور يوما إن أنت طالبت بما طالبو من الحرية والعدالة الاجتماعية. صدقني إن انتفضت اليوم على جلاديك وطغاتك وفراعينك لترفض إراقة دماء السوريين واستباحة أعراضهم ساعتها سوف تعصم دمك وعرضك وإلا.. يأتيك اليوم الذي تقول فيه (أكلت حين أكل الثور الأبيض).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.