شعار قسم مدونات

رقصة الزومبي

blogs- حلب

حتى قابيل لسعته سياط الندم بعدما قتل أخاه، واحتقر نفسه لأنه عندما عجز عن مواراة عاره تعلم ذلك من غراب! لكن في حلب الغربية يتمايل أحفاد قابيل رقصا فوق جثث أبناء حلب الشرقية.. يلتفون حول نيران الحقد المتأججة بصحائف صفين وبحطب أبي لهب.. يحولون ساحات حلب لجلجلة كبرى.. يبثون عبر مكبرات الصوت شعارات بعثية مهترئة وأغان قومية أعيد تكريرها بنسخة مشوهة.. يرددها قطيع من الزومبي في حالة هستيريا في رقصة انتصارهم المزعوم..

 

أتباع الطغاة ليسوا سوى حطب المحرقة الأخير.. الحجر المتبقي في رقعة الشطرنج الخاسرة.. سيغرقهم معه قبل أن يغرق.. سيقتات على بقاياهم قبل أن يقترب من مصيدة القصاص.

حتى الخراف عند ذبح أحدها تعجز عن الحركة.. وتنتظر دورها.. في ديسمبر لا تنتهي كل الحكايات، في ديسمبر لا يعانق الربيع موته المشتهى.. بل تتساقط آخر أوراق الخريف متعرية أمام رياح الحقيقة الواضحة التي لا تحتمل التزييف.. حقيقة أن أتباع النظام السوري مدعي القومية يحتفلون بانتصاراتهم المزعومة بشكر روسيا المحتلة.. ويأتي الشكر بطريقة مذلة وسخيفة حيث تطبع صور فتيات سوريات بعبارات استجداء مبتذلة موجهة للجنود الروس في روزنامة أقل ما يمكن وصفها بسوق للنخاسة!

 

في ديسمبر عام 1259 كان جيش هولاكو يدوس جثث أبناء حلب التي ملأت الطرقات.. غسلت حلب جراحها بالغار وقامت من رمادها.. اندحر الغزاة وعادت حلب.. عادت لتفتح النوافذ الملونة والأسواق الصاخبة وسهرات الطرب والأزقة الحجرية والجدالات بين مدارسها الفكرية وتجار الحرير وصناع الجمال والدلال..

 

وفي ديسمبر 2016 حيث نعيش لحظات سوداء تبث من الدرك الأسفل من التاريخ.. والأعلى من التطور البشري.. كلما قام ناشطو حلب ببث مباشر على الفيسبوك.. نستمع لأناتهم واجهاشهم بالبكاء ونعجز عن عمل شيء.. نشاهد المدينة وقد أصبحت قاعا صفصفا هشمته رياح القطب الروسي وأحرقته نيران بنو ساسان … نرى الجميع هائما على وجهه.. أطفال يتامى على موائد الضياع.. كبار السن يجرون حكايا عمرهم المنكسرة على عربات حديدية..

 

قصص حب وصمود نحتت على جدران هذه المدينة.. وقاب حجرين أو أدنى نجد من يقارع أنخاب الدماء محتفلا.. تصبح الحواجز الإلكترونية الهشة وسيلة تعذيب عندما نسمع صرير الأبواب التي تفتح تمهيدا لمجزرة.. يصبح التوقيت صفعة حقيقية عندما ينقل لك الصورة المباشرة للراقصين المحتفلين بنصرهم المزعوم بينما تسيل أنهار الدماء ساخنة على الأسفلت في الجهة المقابلة من المدينة.. يوضب أبناء حلب حقائب رحيلهم ولا يعلمون إلى أين المفر.. هل هم في موعد مع رصاصة قناصة أو برميل أو قذيفة روسية أو سكين طائفية أو ستلتهمهم دوامة الوعود الدولية؟

 

سيحاول العالم هدهدة من تبقى من المحاصرين لإغفائهم على وسائد التعب في كراسي الباصات الخضراء.. تفرش لهم السجادات الحمراء في درب التغريبة.. لعلها ستكون استراحة محارب في صف الثورة.. أما أتباع الطاغية الذين يرقصون لانتصاره.. عندما تحين لحظة غرقه.. سيقتلهم بالرصاصات الأخيرة قبل مقتله.. الطاغية دائما يرفض الموت وحده.. هتلر جعل عشيقته تتجرع السم قبل انتحاره.. وزيره جوزيف غوبلز سمم أطفاله الستة قبل أن ينتحر..

 

أتباع الطغاة ليسوا سوى حطب المحرقة الأخير.. الحجر المتبقي في رقعة الشطرنج الخاسرة.. سيغرقهم معه قبل أن يغرق.. سيقتات على بقاياهم قبل أن يقترب من مصيدة القصاص.. أعمدة الاحتلال المنصوبة فوق جمرنا ودمعنا ودمنا وتاريخنا ستنهار فوق جرف هار عاجلا أو آجلا..

 

عندها لا وقت للرقص.. للثائر تطلعاته الكبيرة التي يريد زرعها على أرضه.. يريد أن ينفض الغبار عن حطامه المتراكم..  ويقبل تراب أجداده ويغرس الغار والآسي فوق رفات الشهداء..

 

ادخلوا حفل عشاء راقص.. وانصرفوا..

وعلينا، نحن، أن نحرس ورد الشهداء

وعلينا، نحن، أن نحيا كما نحن نشاء

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.