شعار قسم مدونات

الثورة التركية

People wave Turkish and Free Syrian Army flags during a gathering before the departure of a Syria-bound aid convoy, carrying humanitarian supplies, in Istanbul, Turkey, December 14, 2016. REUTERS/Murad Sezer

توصف الثورات على أنها مصطُلح لظاهرة اجتماعية تقوم بها جماعة أو فئة هدفها تغيير الوضع الراهن وفقاً لأيدولوجية هذه الجماعة أو الفئة المجتمعية، ولا ترتبط بشرعية قانونية لأنها اساساً تنتفض على القانون الحالي، ولها عدة أنواع بحسب البيئة والفعل وردته، وإذا ما قرأنا تاريخ الثورات نجد أنها دائماً تتمرد على الفئة الحاكمة ويقوم بها المعنييون بشكل مباشر، لكن لن نجد ثورة قامت بها فئة ما في دولة ما لتغيير الوضع القائم في دولة أخرى خصوصا إن لم يكن هنالك روابط مثل رابط الدم أو الدين والإيديولوجيا.
 

وفي الحديث عن الثورات المعاصرة لابد من ذكر ثورات الربيع العربي بداية من الثورة التونسية والتي تعتبر الأنجح "عربيا" ثم الثورة المصرية التي قوبلت بأخرى مضادة قادها نظام عسكري فاشي، ثم ليبيا التي قُسمت بين علمانية وإسلامية أدت إلى صراع قد يكون طويلاً لكنه في النهاية صراع بين قوتين متوازنتين ومن ثم الثورة اليمنية التي كان لها ذات النصيب المصري.

أن يخرج هذا الشعب بالملايين إلى الشوارع هاتفاً باسم حلب، فهذا لا يمكن تسميته إلا بالثورة الحقيقة والحديث عن الملايين ليس مبالغة في الأرقام والأعداد.

لكن ما إن تحول إلى صراع مسلح وشبيه بالوضع الليبي بتوازن القوى، وأخيرا وليس آخراً الثورة السورية التي لم يكن لها شيء مما سبق، فهي حتى اللحظة دون ناصر أو مغيث من الحكومات والدول التي طرحت نفسها كأصدقاء للشعب السوري المظلوم لكن ماذا عن الشعوب؟
 

تبين مؤخراً أن روابط الدم والدين والتاريخ لم تحرك ساكناً عند أكثر من 400 مليون عربي و600 مليون مسلمون آخرون إلا عند قلة "بالنسبة لـ 600 مليون" وبذلك أقصد الشعب التركي الذي قام بثورة بمعناها الحقيقي ضد نظام عالمي كان له النصيب الأكبر من دم السوريين وتدمير بلادهم.
 

طيلة سنين الثورة الستة لم يصمت الأتراك تجاه ما يحلّ بالسوريين فغالبيتهم الساحقة كانت مع الثورة ولم يكفوا عن العمل سواءً بالتبرعات أو الخطابات واستقبال اللاجئين وغيرها من الأعمال الإنسانية -بغض النظر عن موقف الحكومة التركية في ما يخص الدعم العسكري والسياسي- هذا كله من كافة فئات الأتراك الإيديولوجية من اليمين واليسار المتهم بموالاته للنظام السوري ولم يتبين ذلك إلا من بعض الأحزاب التي تشكل واجهة سياسية لحركات انفصالية، وهي بطبيعة الحال تخوض صراعاً مع الأحزاب القومية الأخرى.
 

في الشهر الأخير لا يخفى على أحد ما حصل ويحصل بحلب وما فعله الشعب التركي لأجل هذه المحرقة التي يتهم البعض الحكومة التركية في التواطؤ مع مرتكبيها، لكن أن يخرج هذا الشعب بالملايين إلى الشوارع هاتفاً باسم حلب، فهذا لا يمكن تسميته إلا بالثورة الحقيقة والحديث عن الملايين ليس مبالغة في الأرقام والأعداد إذا ما نظرنا إلى التحرك التركي في أوربا الذي كان في أكثر من 20 مدينة أوربية والذي فاق المليون متظاهر تحت عنوان تمرد لأجل حلب، وهذا التمرد من اليمين واليسار، إذا تم صرف النظر عن الداخل التركي الذي تقول بعض الآراء بأنه مؤدلج ومُسير في الوقت الحالي من قبل حزب العدالة والتنمية الحاكم، والذي تظاهر بالملايين أيضاً في كافة المدن والمناطق.
 

هنيئاً للشعب السوري على هذه الصداقة وعلى هذه الأخوة التي لم تحدث في التاريخ إطلاقاً ومن يملك مثل هؤلاء "الأتراك" لا حاجة له بغيرهم من أصحاب الدم والدين والتاريخ.

هذه الثورة التركية التي قامت للشعب السوري لا يمكن وصفها بغير ذلك، ولا يمكن ربطها بالدم أو الدين أيضاً نظراُ لما مرت به تركيا في الـ 94 عاماً الماضية من حكم علماني متطرف وأيضاً التاريخ الذي لنا مع غيرهم أكثر بكثير. هكذا غضب لا يمكن أن يكون بدعوات وخطابات للإقناع بقدر ماهي حالة ثورية لقلب الموازين والتأثير بالرأي العالمي العام الذي صمت واقتنع برواية الحرب على الإرهاب والحرب الأهلية وإلى ما يشبهها من التأويلات التي لحقت بالثورة السورية، كذلك لم تكن لعلاقة مباشرة بين الشعبين السوري والتركي أو تأثير مأساة الأول على الثاني بالضرر.
 

بالأمس كانت ساحات عواصم المدن الأوربية تغص بالأتراك يقفون على المنصات بيمينهم ويسارهم، نسائهم ورجالهم، أطفالاً وشيوخاً، خطابات ثورية كالتي نسمعها من أهلنا المحاصرين، وصف ما يحدث في سوريا من البداية حتى الآن بلغة كل بلد حتى يفهم أهله ما يحصل في سوريا، إضافة إلى هتافات لإسقاط النظام السوري وإخراج إيران وروسيا وأذرعهم من الميلشيات الطائفية من سوريا وطرد داعش وأخواتها ومحاكمة المجرمين وبناء دولة حرة ديمقراطية.
 

يتساءل بعض الألمان عن المناسبة التي أقامها الأتراك واستحضرت كل هذه الحشود، هل هو احتفال وطني تركي أو ما شابه؟ يرد الأتراك بالنفي إنما لأجل سوريا! حتى يحتار "الألمان" في أمرهم، لم تفعلوا هذا إلا في ليلة الانقلاب!
 

هنيئاً للشعب السوري على هذه الصداقة وعلى هذه الأخوة التي لم تحدث في التاريخ إطلاقاً ومن يملك مثل هؤلاء "الأتراك" لا حاجة له بغيرهم من أصحاب الدم والدين والتاريخ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.