شعار قسم مدونات

2017.. هلا تجملت قليلا!

blogs-the army

أقف على عتبات 2017 وأنظر للخلف فأرى العجب العجاب، أرى رجالا بلباس رسمي منمق وربطات عنق فاخرة يجتمعون بالمساءات الهادئة ليتكلموا عن حقوق المرأة والطفل والطيور وحتى الحيوانات.

يتكلم هؤلاء أيضا عن قدسية الأرض وأشجارها وأنهارها و حقولها وسهولها وجبالها. أراهم هم ذاتهم بالصباح يخلعون ملابسهم الأنيقة ليستبدلوها بلباس الجنود، يحملون أسلحتهم ويتجهون شرقا حيث السحر والحياة و التاريخ.

تَعلَم أيها الشرق ويعلم الجميع أن هؤلاء المنمقين يريدونك منذ زمن سحيق.. يريدون شامتك الشامية وعيونك الموصلية وقلبك المقدسي.

أراهم يقتلعون النجوم ويقذفون بها بغياهب المحيط ويمزقون القمر فلا يعود ليل الشرق كما كان أبدا. لا تعود الليالي تضيء كما كانت، فلا سحر للنجوم ولا لآلئ للكواكب و لا ضوء للقمر.. ينتزعون كل شيء جميل من مكانه. فحتى شجرة السنديان التي كان الأولاد يلعبون تحتها كل صباح وحتى أشجار الزيتون و شتلة البرتقال الجديدة.. يقتلعونها جميعا من الأرض كما عيون الحسناوات تقتلع من وجوههن.

تعلم أيها الشرق ويعلم الجميع أن هؤلاء المنمقين يريدونك منذ زمن سحيق.. يريدون شامتك الشامية وعيونك الموصلية وقلبك المقدسي وحتى نيلك المنساب كخصل شعر لؤلؤي في ليلة ظلماء.

ومع أن عصر الإمبراطوريات قد انتهى منذ زمن بعيد إلا إنهم لم يتوقفوا يوما عن السعي وراء تحقيق حلمهم بامتلاكك، فتارة يأتون بحجة الإرهاب وتارة يأتون بحجة حقوق الإنسان والمرأة والطفل، وتارة أخرى يريدونك بحجة تطوير المشاريع والازدهار الاقتصادي والنهضة الثقافية.. حتى إن منهم من يتغطى بستار المقاومة والممانعة والتحرير فيفضح الستار عورته أكثر مما يخفيها!

ويبدو أن هذه السنة كانت هي الأقسى عليك حقا أيا شرق السحر والجمال. فمطامع الذئاب فيك قد تضخمت كثيرا كما لم تكن سابقا، وهذا ما أصابنا في مقتل ولم تعد كلمات التنديد ولا الآهات تسعفنا. لقد وصلنا لمرحلة متقدمة من مراحل العجز والهوان والتعب في هذا السنة ولم نعد نحتمل المزيد من المحن و النكسات.

كل سنة ستكون هي الأقسى، صدقوني طالما لا يزال المنمقون يجتمعون ليلا بملابسهم الفاخرة و يخلعونها ليلبسوا زي الجنود صباحا.

ومما يثير السخرية حقا ما قاله الجميع عن قسوة 2015 قبل عام تماما. يبدو مضحكا حقا مقارنة أحزان العام المنصرم بمصائب هذا العام. وقياسا على ذلك سيأتي الجميع عند وضع أمنياتهم و جرد حساباتهم السنوية بنهاية هذا العام أيضا ليصبوا جام غضبهم على 2016 ويصفونها بأنها الاقسى على الإطلاق.

وبعد عام تماما من الآن، سيكون الجميع مستاءا من 2017 كذلك، وسيكررون وصفهم لها بأنها كانت الأقسى أبدا.. وسيتكرر هذا الأمر في كل سنة وكأننا في دائرة مغلقة!

نعم، كل سنة ستكون هي الأقسى، صدقوني طالما لا يزال المنمقون يجتمعون ليلا بملابسهم الفاخرة و يخلعونها ليلبسوا زي الجنود صباحا ثم يصوبون عيونهم و بنادقهم نحو الشرق وأقماره ونجومه و اشجاره ليحققوا حلما قديما لطالما راودهم منذ العصور السحيقة؛ أقول طالما بقيت عيونهم مسمرة على الشرق فستظل كل سنة هي الأسوء لنا أبدا على هذه الأرض! سنظل بهذه الدوامة حتى يأتي من يلقن هؤلاء درسا في الأخلاق و دروسا كثيرة في المعنى الحقيقي لحقوق الإنسان والطفل والمرأة و الأشجار والأنهار والبحار والأرض!

أيا عاما قادما من بين الركام هلا أتيت على مهل ولين.. هلا تجملت قليلا لأجلنا. كن أقل قسوة على بلداننا الحزينة وازرع في سمائها نجوما جميلة تضيء لها الليل الذي طال كثيرا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.