شعار قسم مدونات

مَن لحَلب؟!

Damages in the old souks of Aleppo, Syria, 13 December 2016. Russia's Ambassador to the UN announced that the Syrian government's army has on 13 December taken full control over the city of Aleppo.
"حبيبتي حلب، لم أستطع الحضور، أنا أعتذر حقاً. تقطنين مكاناً بعيداً جداً عن أمثالي وأنا شخص كسولٌ والجو باردٌ كما تعلمين؛ وقد حُذِّرتُ من الخروج في ظروف مماثلة، تعرفين مديري اللئيم! فهو قد توعدني بالحساب والعقاب إن أنا خرجت من مخدعي! وأنت لا تريدين رؤيتي أُحاسب أليس كذلك؟ 
 

قلتها علانيةً وصراحةً لهم، قلتها بمليء فمك، صَدَحَتْ بها حنجرتك وروحك -ممزوجة بحرقة نتشاركها جميعاً- قبل قلمك. بتنا نحن وبات آباؤنا ومن قبلهم أجدادنا أصدقاءً للذل ورفاقاً للمهانة. فبعد معاصرتنا جميعاً كعرب لنكبة عام 48 التي تليها نكسة عام 67 واجتياح لبنان في الثمانينات وصولاً إلى غزو العراق عام 2003 واجتياح غزة الثلاثي أعوام 2008 و2012 و2014 وما تخلل هذه العقود بأكملها من مجازر ومذابح -يسوؤني ذكرها كلها- يندى لها الجبين؛ فإنه ليحزنني أن أقول بأن شيئاً لم يتغير وأن حالاً لم يتبدل!

 

لا نملك أن نغير من الواقع شيئاً. نحن حفنة جبناء غارقة في العار حتى جيدها وليس أمامها ولو عودٌ صغير يمكنها التشبث به.

بل ويخزيني أيضاً أن هناك منا من لا يدري بأن له إخوةً يُذبَحون بلا رحمة ويتعرضون لأبشع أنواع التصفية والإبادة! لكنَّ من يثير العصب السابع لدي في هذا السياق كله فصيلان لعينان: فصيل يبرر كل ما يجري بأقبح الأعذار وأكثرها دناءة وخسة بل ويدعمه بكل ما أوتي! وفصيلٌ ينكر ما يحدث بالكلية ولا يعترف به! وأظن أني بحاجة للكثير من الاستغفار والتوبة فيما لو أطلقت لساني عليهما بلا ضابط. لكنني أعلم أن كل من ذَكَرْتُهُم آنفاً لا يملكون ذرةً من قطمير في تغيير ما يجري وأنهم مجرد بيادق مغلوبةٍ على أمرها في هذا المحيط؛ مع أنهم مؤاخذون بعدم التمرد.

 

كما رأيتِ يا حلب خلال الأيام السالفة نحن مثيرون للشفقة والاشمئزاز معاً؛ لا نملك أن نغير من الواقع شيئاً. نحن حفنة جبناء غارقة في العار حتى جيدها وليس أمامها ولو عودٌ صغير يمكنها التشبث به. وإن من بيده إخراجنا لاهٍ ساهٍ عنا بل يروقه غرقنا ولا يلقي بالاً لك أو لنا، ولا شيء يلوح بعكس هذا في المستقبل القريب. أنا أعلم أن مسألةَ طلبنا للمسامحة مبتوتٌ في أمرها منذ زمن بعيد، لستِ أول من طُلبت منه، لذا فأنا لا أريدها، لم يعد يهمني الأمر فنحن لا نستحق المغفرة بأي حال. أقسم أنني أشعر بالوضاعة لكون الدعاء والكتابة هي جل ما أستطيع فعله إزاء ما يحدث معك! ولستُ -هنا- أقلل من شأن الدعاء بقدر ما أرى أنني لستُ أهلاً له.

 

ما يخفف وطأة الأمر على بعد رؤيتي للجحيم الذي أُشعل في أحشائكِ هو أنني موقن أن سماءَك مليئة بالملائكة والرحمة، هذا الكوكب لا يستحق عناء التشبث به! وعندما أفكر بأنه لمثل هذا وجدَت آخرة؛ فإن أوصالي ترنو للهدوء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.