شعار قسم مدونات

زمخشري القرن العشرين كومة فحم بحاجة إلى شعلة اليونيسكو

blogs - طاهر زمخشري
لاحظت أن هنالك نقص في تناول دراسة أدب المملكة العربية السعودية عموماً، وخصوصاً أدباء وشعراء مكة الذين كانوا منطلقاً لأدب وشعر الحجاز والجزيرة العربية في القرن العشرين، فترتب على ذلك بقاء مكان دراساتهم وأدبهم شاغراً في رفوف المكتبات العربية والعالمية، فعلى سبيل المثال الأديب الراحل طاهر زمخشري الذي كان يحلوا له أن يعرف نفسه في المحافل والمناسبات بأنه "كومة من الفحم سوداء تلبس ثياباً بيضاء، وتقول شعراً قصائده حمراء وخضراء وصفراء"، ويقول أن بطاقتي التعريفية:

 

حَسْبي مِنَ الحُبّ أنّي بالوفـَاء لَـه

أمشِي وأحـْمِـلُ جَرْحًـا ليْـس يلتئِـمُ

وما شكَوتُ لأنَي إنْ ظـُلـِمتُ فكَـمْ

قبلي مِن الناس في شَرْعِ الهَوى ظـُلِمُوا

 

اعتبر الزمخشري رائد أدب الطفل المعاصر، كما أنه ساهم في تأسيس الإذاعة السعودية، وأسس أول فرقة موسيقية في المملكة العربية السعودية لها، وكتب أكثر من 200 أغنية قدم من خلالها العديد من الفنانين.

ويعتبر الزمخشري ظاهرة شعرية وأدبية تستحق الحديث عنها من كل الجوانب وفي كل الأوقات لأنه يأتي في مقدمة أكثر الأدباء السعوديين شهرة وله أعمال عديدة وقيمة تستحق أن تظل خالدة على مر السنين، وقد أطلقت عليه زمخشري القرن العشرين للتمييز بينه وبين الزمخشري العالم الكبير الملقب بجار الله محمود بن عمر بن أحمد أبو القاسم المتوفى سنة 538هـ، لأن كلا الزمخشريين أشتهر في مكة وكلاً أبدع في عصره وساد بين قومه، فزمخشري القرني الثاني عشر فسر وأبلغ وأشعر، وزمخشري القرن العشرين أشعر وأنثر وأعلم.

 

فهو أحد الأعلام المكيين السعوديين الذين أثروا الأدب والفكر في العالم العربي بصفة عامة والمملكة بصفة خاصة، ومن شعراء الرعيل الأول وأكثرهم غزارة في الإنتاج فهو صاحب أول ديوان شعري يطبع في تاريخ المملكة العربية السعودية "ديوان أحلام الربيع"، في العام 1946م، وله أكثر من 23 ديوان شعري صدر منها (5) في مصر (5) لبنان، (6) تونس و (7) فب السعودية، بالإضافة إلى أعمال أخرى لم تقدم للمجتمع بعد، واشتهر باسم (بابا طاهر) نسبة إلى برنامجه الإذاعي ركن الأطفال الذي كان أول برنامج للأطفال في المملكة العربية السعودية في أواخر أربعينيات القرن العشرين، وأعقبه بإصدار أول مجلة عربية للأطفال مجلة الروضة في العام 1959م، ولهذا اعتبر رائد أدب الطفل المعاصر.

كما أنه ساهم في تأسيس الإذاعة السعودية، وأسس أول فرقة موسيقية في المملكة العربية السعودية لها، وكتب أكثر من 200 أغنية قدم من خلالها العديد من الفنانين من أشهرهم الفنان طلال مداح بأغنيته الشهيرة أسمر حليوة، وفنان العرب محمد عبده، هيام يونس، ابتسام لطفي، هناء الصافي، عايدة بوخريص، وغيرهم، وربطته علاقة صداقة بالعديد من الأدباء والشعراء العرب من أشهرهم الأمير الشاعر الراحل عبد الله الفيصل، وأحمد رامي، فاروق جويدة، مازن اللقماني.

 

كما ترأس تحرير أول صحيفة سعودية "البلاد" ونشر العديد من المقالات الصحفية من أشهرها ما نشره في أواخر أيامه لمجلة اقرأ (سلسلة رحلتي إلى الموت في بلاد العم سام) التي كتبها في مدينة لوس أنجلس حينما كان في رحلة علاجية في العام 1984م، ومما يميزه عن غيره من الأدباء أنه جمع بين الأدب والفن والإعلام والإدارة فقد عمل في عدد من الوظائف الحكومية من أهمها مدرساً بدار الأيتام بالمدينة المنورة، وديوان الجمارك إضافة إلى مساهمته في تأسيس بلدية الرياض، والأهم من ذلك كله أنه أول أديب سعودي يكرم خارج المملكة بحصوله على وسامين من رئيس الجمهورية التونسية الراحل الحبيب بو رقيبة (وسام الاستقلال عام 1969م – وسام الثقافة 1973م)، كما حصل على جائزة الدولة التقديرية من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود في العام 1985م، واسطوانة اليونسكو الذهبية مع ترجمة بعض أعماله إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية.

 

ومن روائع أشعاره الخالدة

 

(النفس المؤمنة)

إيه يا نفس إلى الله أنيبي ثم توبي

وإذا وسوس شيطان بإثم لا تجيبي

واذكري الله ففي صوتك تكفير ذنوبي

وثقي أن وراء الغيب علاّم الغيوبِ

 

(رباه)

رباهُ كفارتي عن كل معصيةٍ

أني أتيتُ وملءُ النفس إيمانُ

أتيتُ أطرق بابًا كل مجترمٍ

أتاه يرجع عنه وهو جذلانُ

 

وبالرغم من ذلك كله مضت أكثر من 30 عام على وفاته وسيرته الذاتية لم تكتب ولم يتناوله أحد بالدراسة الوافية باستثناء عدد محدود من الكتاب والباحثين، وتكاد أعماله الأدبية والفنية أن تندثر رغم أنها تعتبر كنز أدبي ثمين لابد أن يحيا ويحفظ كإرث عام للمجتمع لأهميتها وقيمتها الأدبية على المستوى المحلي والعالمي خصوصاً وأن أعماله الأدبية تعتبر أحد أهم المدارس الشعرية المكية في القرن العشرين سماها المدرسة الربيعية الحجازية نسبة إلى الشاعر عمرو بن أبي ربيعة.

 

لذلك أدعو منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) بالمبادرة بالعمل مع الجهات المعنية بالمملكة العربية السعودية على إحياء وحفظ تراث الأدباء من رواد المملكة الذين تكاد أن تندثر أعمالهم بدء بطاهر زمخشري وذلك وفق المعايير والأنظمة التي تتبعها المنظمة للحفاظ على التراث الثقافي عالمياً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.