شعار قسم مدونات

الزعيم يعمل لدى الشعب

blogs - نواب

عام 1973 قامت عصابة مسلحة بالسطو على مصرف في العاصمة السويدية استوكهولم. احتجزت موظفي المصرف كرهائن لمدة ستة أيام وعندما جاءت الشرطة لتحريرهم، رفضوا تسليم العصابة أو الاعتراف ضدهم .

حان الوقت لأن نذكِّر جلادينا بأن قوتهم تكمن في جيوبنا نحن. نحن الشعوب أصل الأرض وروح البلاد.

وبحسب المتلازمة التي سميت من بعدهم متلازمة استوكهولم، فإن الضحية يتعاطف مع جلاده، بل ويرتبط به عاطفيا لإيمانه بأن ذلك سينجّيه من العواقب. ولذلك يسعى لإرضاء الجاني تجنّبا لأذاه، كما أنه يرفض الإنقاذ من بين يديه لأنه أصبح يألفه، وقد تصالح بالفعل مع الألم الذي يمر به فيؤمن بعد ذلك بأن الرعب الذي يعرفه خير من الأمان الذي لا يعرفه. 

ولذلك لم يعد مثيرا للدهشة أن نرى منّا من يطالب بحكومة غير منتخبة وسلطة ظالمة، ورأي يحتقر واختلاف يمحى، ومطالب لا تنفّذ وزعيم في خدمة نفسه بدلا من حكومة منتخبة وسلطة عادلة، ورأي يحترم واختلاف يتقبل، ومطالب تنفّذ وزعيم في خدمة الشعب.

ينظر الفرعون إلى بلاده كما ينظر الأسد للغاب: يبصر رؤوسا قد أينعت يقطفها، ويحجب نور الشمس عن الباقية فينحني الآخرون، بل يقدسونه كما لو كان المهدي المنتظر. يصبرون حتى فوات الأوان، يكتسبون مرونة خارقة في التعايش مع الألم والتخدّر أمام اللامنطق، التأقلم مع الاضطهاد فتصبح الضحية بأمر الجلاد، والشعب الكثير بأمر الزعيم الواحد.

لا شك في يومنا هذا بأن الغطرسة والسؤدد والسلطة والمقدرة أصبحت تهزم الرحمة والمحبة والتسامح والنية الطيبة. وربما لهذا نرى البعض منا يستميت في دفاعه عن زعماء وجناة قادوا حروبا ضد الإنسانية ورخصوا من أرواح شعوبهم، والأهم من ذلك أنهم ما زالوا يجلسون على الكراسي وحولهم حاشية من الشعب نفسه تشهد ضد الشعب نفسه.

ينفش الزعيم ريشه ويصوب بسلاحه نحو جبهة الشعب الكبير.. يضغط على زناد الحاشية، ثم يتباهى بتخليص البلاد من المعارضين، مثيري الفتنة على أرض السلم والسلام.. ويدعي بأنه مدافع شرس عن بلاده التي يملكها كما يملك سترته العسكرية.

تفرقنا ولم نسد، فنسينا بأن الفتنة أشد من القتل وأن الحق سيعود إلينا رغما عن أنوف جميع الحكومات.

حان الوقت لأن نذكر جلادينا بأن قوتهم تكمن في جيوبنا نحن. نحن الشعوب أصل الأرض وروح البلاد. نحن الكثيرون وهم القليلون، نحن أصحاب القرار والسيادة، نحن من ضحوا بأرواحهم: الشهداء والجرحى والمعتقلين والثكلى.

نحن من نبتنا في أوطاننا كما البلح الشامخ و البرتقال الحزين.. من استحققنا هذه الهوية. نحن أفضل لأوطاننا من ألف مستبد وحاكم يجلس فوق أعناقنا ويسرق هواءنا ويسكت أصواتنا.

ليس هنالك إنسان دون قيمة، ولا يوجد هناك فوز في الحرب. الأجدر بنا أن نثور على الحرب و الطاغية، على الأحزاب التي لا تنتهي ومصالحها التي لا تأبه بنا. الأجدر أن نثور على السلاح الذي نوجهه نحو بعضنا ونفسنا على الانقسام الذي بات يتآكلنا كالصدأ، على الزعيم المستبد الجاني صاحب الدفاع اللامستحَق.

تفرقنا ولم نسد، فنسينا بأن الفتنة أشد من القتل وأن الحق سيعود إلينا رغما عن أنوف جميع الحكومات. الأجدر بنا حكومة منتخبة وسلطة عادلة، ورأي يحترم واختلاف يتقبل، ومطالب تنفّذ وزعيم في خدمة الشعب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.