شعار قسم مدونات

يوم وقف "فيسبوك" بجانب الديمقراطية

blogs - facebook
شهد المغرب قبل مدة قصيرة، تنظيم انتخابات برلمانية، هي الثانية بعد أحداث 2011 التي عرفت آنذاك بـ "الربيع الربيع"، والتي عجلت بإجراء انتخابات مبكرة أعطت للإسلاميين الصدارة لأول مرة في تاريخهم السياسي.

مرت الحملة الانتخابية التي دامت أسبوعين في أجواء مشحونة، وكأنها مقابلة مجنونة في كرة القدم، حيث وزع المرشحون الوعود على المواطنين، وتبادلوا فيما بينهم الاتهامات أيضا، في سباقهم نحو من سيؤثر على أكبر عدد من الناخبين، حتى يضعوا في الصندوق يوم الاقتراع ورقة التصويت وعليها علامة (X)  على الحزب الذين قرروا التصويت عليه.

وكبلد لا يزال سائرا في طريق "النمو الديمقراطي"، فقد عرفت العملية الانتخابية خروقات في بعض المناطق المتفرقة من البلاد، هذه الخروقات ليست وليدة اليوم، وإنما لصيقة بكل عملية انتخابية، لكن الجديد هي أنها تأتي في وقت قوى" فايسبوك" سلطته لدى الشعوب، وأصبح صوت من لا صوت له.

استغل الجيل الجديد من الشباب المغاربة هذه الشبكة الاجتماعية لفضح الخروقات التي عرفتها الانتخابات البرلمانية، فمنذ اللحظات الأولى من انطلاق عملية التصويت وحتى إغلاق المكاتب والبدء في فرز النتائج، دون ونشر صور وفيديوهات للخروقات التي وقعت في أماكن متعددة.

إن من بين الأمور الإيجابية والمضيئة التي جاء بها الإنترنت بشكل عام، هو أنه حول العالم إلى حي صغير، تصل أخبار البيت الواحد فيه إلى أبعد بيت في ظرف وجيز.
وهكذا، رأى المغاربة عبر "فايسبوك" رئيس مكتب تصويت يغلق باب المكتب عازما على مغادرته وفي يده الصندوق الذي يحمل "آمال المغاربة" يضعه في سيارة، قيل أنه متوجه لأداء صلاة الجمعة، وخوفا من وقوع أمر ما بالمكتب، قرر أن يغادر "مطمئنا" والصندوق بين يديه.

بواسطة "فايسبوك"، نقلت شهادات العديد من المواطنين الذين كشفوا أن أعوان سلطة دعوهم للتصويت لحزب دون آخر، وبواسطته انتشرت صور لأنصار حزب معين يقفون أمام مكاتب التصويت وهو يدعون المواطنين للتصويت على حزبهم، بعد انتهاء مدة الحملة الانتخابية، في خرق سافر للقانون.

بعد انتهاء العملية الانتخابية وظهور نتائج الاقتراع، تضمنت جل التقارير الحقوقية التي أعدتها المنظمات الحقوقية التي راقبت العملية الانتخابية، هذه الخروقات الذي كان "فايسبوك" سباقا إلى نشرها عبر النشطاء المغاربة.

لم يعد هذا الموقع الإلكتروني الذي صمم في أول يومه للتواصل الاجتماعي، مقتصرا على نشر تدوينات "صباح الخير"، و"الجو جميل اليوم"، أو "جمعة مباركة"، كما أنه لم يعد يقتصر على نشر صور مائدة الطعام أو داخل الطائرة أو بمحلات الماركات العالمية.. وإنما أصبح صوتا قويا وملاذا للعديد من الناشطين الذي يعبرون فيه عما يدور في مخيلتهم بكل عفوية وبلا حدود.

إننا نعيش اليوم في عصر تحصد فيه صفحة على "فايسبوك" عشرات الآلاف إن لم نقل ملايين المعجبين، وحساب شخصي يتابع منشوراته خمسة آلاف صديق وعشرات الآلاف من المتابعين، وهي أرقام لن تصل إليها معظم الشبيبات الحزبية والمنظمات الشبابية المغربية في عدد أعضائها ومنخرطيها والمستفيدين من أنشطتها، وهو ما يزيد من قوة هذا العالم الذي سمي في البداية بـ "الافتراضي"، أما اليوم فيجب مراجعة هذه التسمية.

كما أن هذا العالم يوفر حرية كبيرة لرواده، وبما أننا -نحن الشباب- معروفون بحماستنا الزائدة وبانفعالنا، فإن داخل التنظيمات الحزبية غالبا ما يحدث صراع بين هذه الفئة والقيادة التي تكون في سن متقدم، حول مواضيع واختيارات معينة، لذلك في نظر الكثيرين التعبير داخل شبكات التواصل الاجتماعي ومناقشة مواضيع شتى ضمنه، خير من الانخراط في تنظيم حزبي لن يستطيع تجاوز رأي رئيسه أو أمينه العام أو كاتبه الأول.

إن من بين الأمور الإيجابية والمضيئة التي جاء بها الإنترنت بشكل عام، هو أنه حول العالم إلى حي صغير، تصل أخبار البيت الواحد فيه إلى أبعد بيت في ظرف وجيز، ومن هنا تراودني غير ما مرة هذه الأسئلة، لو كان استعمال "فايسبوك" و"يوتيوب" في الماضي كما هو الحال عليه اليوم، أكان حكامنا سيقمعون الاحتجاجات والانتفاضات والمظاهرات الشعبية التي عرفتها أوطاننا العربية منذ استقلالها بالقوة التي قمعت بها؟ كيف سيكون تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الواقع السياسي والاجتماعي آنذاك؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.