شعار قسم مدونات

أنت تصنع الفرق

blogs - أمل
"كن مصباحاً.. كن قارباً.. كن سلماً، كما الراعي؛ غادر بيتك وكن شفاءً للأرواح التائهة."

منذ قرأتها قبل عدة أشهر وهذه المقولة لجلال الدين الرومي تكاد لا تغيب عن ذهني. أتذكرها كلما غادرت بيتي، كلما أحسست أني في البحر مجرد قطرة، أني فرد عابر على أرض تحمل مثلي ملايين الأفراد. أُذَكر بها نفسي كلما مررت بوجه حزين أعرفه أو لا أعرفه، أُذَكر بها العابرين في حياتي، فرب كلمة أحيت قلباً وغيرت شعباً.

"كن مصباحاً" فما أجمل أن تكون مصباحاً، أن تنير بحضورك العتمة أو أن تُسلط النور على جمالٍ ابتلعته الظلمة، وتكسر بالأمل ضيق الأزمة. ما أجمل أن تكون قارباً، طوق نجاة، مجدافاً يعاند الموج الهادر ويحمل الآخر لشط الحياة. ما أجمل أن تكون سُلماً، أن تعلو بهم ومعهم، أن ترتقي بأخلاقك، وتمد يداً لتنتشل من وقعوا، تنفُض عنهم غبار اليأس وتمنحهم دربا للثريا. أنت أكثر بكثير مما تعتقد، وأنت نعم أنت، كما أنت، بما تملك تصنع الفرق.


في كل مرة تفي بوعدك وتوافق كلماتك أفعالك، وتصفو سريرتك كما علانيتك أنت تصنع فارقاً.

لا تتوقف في منتصف الطريق متسائلاً عن جدوى المسير، لا تَستخِّفَ بأحلامك وأقوالك وأفعالك، لا تقل: " ما جدوى مروري من حياة الآخرين؟" ولا تحاول قياس مساحة الحب التي تود لو تتركها لهم قبل أن تمضي، ولا تُـتعب قلبك متسائلا عن الفرق الذي قد يشكله غيابك عن حضورك وابتسامك عن عبوسك.

 

نعم.. قد تكون واحدا من ستة مليارات آخر.. نعم .. قد تشبه أحلامك أحلام مئات آخرين، وقد تقترب أهدافك من أهداف غيرك، وقد يمتلكون شيئا من مواهبك وقد تكون لك بعض طباعهم، لكنك ستظل متميزا، ولن يملأ مكانك سواك، فأنت نسيج وحدك وأنت تصنع الفرق. في كل مرة تفي بوعدك وتوافق كلماتك أفعالك، وتصفو سريرتك كما علانيتك أنت تصنع فارقاً. في كل مرة تفكر بغيرك، وتعطي دون منّ وتمنح دون مقابل أنت تصنع فارقاً.


في كل مرة تُحسن ظنك بالأخرين، وتحاول المشي في أحذيتهم قبل أن تتسرع بالحكم عليهم، في كل مرة تعامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك وتُحب لهم ما تُحب لنفسك أنت تصنع فارقاً. حين تنصت لمحدثك، حين تكون رغبتك في التواصل أقوى من رغبتك في الوصول، وتحقيق التعاطف أهم من إثبات أنك محق. حين تسامح، وتطرد شرور الحقد والحسد من قلبك، حين تغفو سليم الصدر، وتصحو كشمس لا تفرق في عطائها بين صغير وكبير، غني وفقير، أنت تصنع فارقاً. حين تحب عملك، وتعمل ما تحب، حين تؤمن بأنك تستطيع، وتسعى لتحقيق حلمك فأنت تصنع فارقاً.


أنت كما أنت بما تملك يمكن أن تصنع الفرق، بقلب صاف، بنية حسنة ، بالمال، بكلمة طيبة، بالحب، حتى الابتسامة يمكن أن تصنع فارقاً هذه الأيام.

حين تحب من تحب كما هم، حين ترى جمال أرواحهم، وتكون روحك انعكاسا للنور فيهم حين ذات ضعف أو حزن يخبو. حين تكون سندا، حين يصبحون بتواجدك أفضل ويرون الكون من خلالك أجمل فأنت تصنع فارقاً. في كل مرة تمنح العابسين ابتسامة، حين تهدهد متعبا، حين تُولد شمس في وجه امرأة أو طفلة قلت لها " تبدين جميلة"، حين تطول قامة طفل وتنتصب قامة شاب قلت لهم " أنا أثق بقدرتك"، حين تمدح بصدق، وتنتقد بلطف، وتعاتب بالحسنى فأنت تصنع فارقاً.

 

في كل مرة تكون قادراً على قهر غضبك، ولَجمِ لسانك، في كل مرة تتغافل فيها، تتفهم، تتجاوز عن إساءة، تعفو عن مسيء، فأنت تصنع فارقا. في كل مرة تكون فيها كثير الاهتمام ومراع لحقوق الآخرين ومشاعرهم، وأكثر نفعاً لهم، أو عندما تكون متعاونا كريما رحيما. في كل مرة تدافع عن مظلوم، تدفع ظلماً، تُفرج هماً، تقول كلمة حق تؤيد فيها الشيء الصحيح أو تساعد آخر لفعل الصواب فأنت تصنع فارقاً.

قد لا تستطيع إحداث انبعاج في هذا العالم كما يقول ستيف جوبز " make a dent in the universe"، قد لا تستطيع إنهاء المجاعة أو إيقاف الحروب، أو إيواء المشردين، لكنك تستطيع أن تطعم جائعا اليوم، أن تساعد لاجئاً أو مشرداً، أن تجعل يوم أحدهم أفضل.

أنت كما أنت بما تملك يمكن أن تصنع الفرق، بقلب صاف، بنية حسنة ، بالمال، بكلمة طيبة، بالحب، حتى الابتسامة يمكن أن تصنع فارقاً هذه الأيام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.