شعار قسم مدونات

يستفتونك في فتاة حلب.. انتحرت طاهرة !

blogs - حلب

اعتدنا من المستفتي أن يعبأ لأمر الفتوى، فهو لذلك يستفتي، إذ يطلب من أهل العلم معرفة حكم الشرع في مسألة تهمه، وتعنيه وتخصّه، والحال ليست كذلك ههنا!
 

ففتاة حلب المكلومة قد حسمت أمرها، وانتحرت طاهرة، انتحرت كي لا تمسها يد نجسة، كي لا يهتك سترها وطهرها وحوش "حماة الديار" انتحرت كي تنهي ما أشبه بحياة خلت من أي قيمة سوى معايشة الجحيم الذي لم تدرك لقساوته منتهى، انتحرت بعد يقينها بأنها ستقف وحيدة ضعيفة من دون سند أو مدد لتواجه ما لا طاقة لها به من همجية شيطانية، فودعتنا غير مكترثة لهذه الفتوى.

 

يا فتاة حلب، ليتك لم تفارقينا، ليتك لم تحسمي أمرك وتنهي حياتك، ليتك أدركت رغم ضعفك وهزالة جسدك أنك بصمودك غدوت حصناً منيعاً في وجه آلة تدمير وحشية.

فمن المستفتي إذن؟ ومن ذا الذي تعنيه حياة فتاة حلب، وحياة نساء غيرها كثيرات، طاهرات عفيفات، لم تسعفهن لحظات مآسيهن في إيصال رسائل الوداع الموجعة! أيعقل أن نكون نحن من يستفتي! هل يستقيم منا ونحن نستمع إلى آخر إحصائيات الضحايا كل يوم في سوريا لنكمل بعدها سائر تفاصيل حياتنا " الاعتيادية"، أن نقف عند حال فتاة حلب لنعبأ بحياتها!

أم أن ادعاء الاكتراث لمسألة الشرف هو ما يقض مضاجعنا! ليتصدر بعدها المتفيقهون من أدعياء العلم وحمل هموم الأمة، ليأصّل ويفصّل، ويتبوأ مكانة لا قبل له بها، ويفتات على الله جلّ جلاله وتقدست أسماؤه ليحكم في مصيرها بعد مماتها! غاضاً طرفه عن خذلانه هو وأمثاله وسائر قومه لتلك الفتاة الوحيدة الضعيفة أمام جند الشيطان وحزبه، ليصبح بصمته وادّعاء عجزه عوناً للجاني على الضحية.

 

ليستدرك بذلك المستفتي، أياً يكن، ويحتار: أيسأل عن حكم انتحار أمة بأكملها، عدّت نفسها على قيد الوجود، وقد قتلت في أبنائها كل نبض للحياة، فغدت جثة هامدة لا تكترث بكل ما ينهش في دمها ولحمها! أم لعله يستفتي في حكم طهارة أشباه رجال، خلت أجسادهم من مظاهر الدنس، لكن خبثاً وخنوعاً التفّ نفوسهم، ليعتادوا متبلدين غير مكترثين سماع آهات وصرخات العفيفات يستغثن لأجل شرفهن وطهرهن!

 

وفي كلتا الحالتين، وسواء أكان موضوع الفتوى انتحار الأمة أم ضياع طهرها وشرفها، فلا أكتم صمتاً عاجزاً عن الفتيا، اذ أن من أبجديات العلم أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والتمس عذراً، فقد فاق دنو حال أمتنا كل تصور أدركه.

 

أما أنت يا فتاة حلب، فليتك لم تفارقينا، ليتك لم تحسمي أمرك وتنهي حياتك، ليتك أدركت رغم ضعفك وهزالة جسدك أنك بصمودك غدوت حصناً منيعاً في وجه آلة تدمير وحشية، وأن بقائك ثائرة مقاومة حتى آخر أنفاسك في وجه أذناب جيوش المرتزقة لهو أقوى من كل ما أرهبك من عدتهم وعتادهم، ليتك علمت أن فينا بقية تكترث بحياتك، وتلتمس من صبرك وصمودك كل معاني الحرية والكرامة، ليتك طرحت فتاوى الخنوع والذل، وأظنك قد فعلت، وأبقيت صلتك برب الأرباب، الجبار القهار، من أودع فيك الروح أمانة بين جنبيك، لتطمئني إليه سبحانه، فهو أرحم بك من والديك، وتعلمي أنك بإيمانك قد دافعت عن شرف الأمة بأكملها، وغدوت كما أردت طاهرة رغماً عن الجميع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.