شعار قسم مدونات

يا حضرة الرئيس

Syria's President Bashar al-Assad prays during the first day of Eid al-Adha at a mosque in the Damascus suburb of Daraya, Syria in this handout picture provided by SANA on September 12, 2016. SANA/Handout via REUTERS. ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. REUTERS IS UNABLE TO INDEPENDENTLY VERIFY THE AUTHENTICITY, CONTENT, LOCATION OR DATE OF THIS IMAGE. FOR EDITORIAL USE ONLY.

يُحزنني ما يحدث في سوريا من دمار وخراب وقتل وسفك لدماء الأبرياء من الأطفالِ والنساء والرجال والشيوخ، ويؤلمني أيضا حالُ اللاجئين والنازحين والمُهجرين من بلادهم نتيجة الحرب هناك، والتي لم تعد أهليه ولا ثوريه بقدر ما هي تصفية حسابات وبلوغ مطامع وأهداف مرجوه مرسومة منذ الأزل من قبل الذين أنهكوا المنطقة وما زلنا نعتبرهم أصدقاء لنا.
 

فغفلت المنطقة عن تلك الأهداف وتابعت في سباتها العميق فكان صحيانُها متأخراً حتى بات حالُها أشبه بحال الصغير الذي لا يستطيع أن يأخذ قراراً واحداً بمفرده. فعلى سبيل المثال تختار له الاُم الملابس بعد أن تأخذ قياسه دون أن يُرافقها إلى السوق ونحن كما حاله إذ يأتينا القرارُ مفصلاً جاهزاً وما علينا إلا لباسه دون التأني لمعرفة أهدافه لصالح من وتبعاته ستكون على من؟
 

والأمة الاسلامية تحتفل بذكرى مولد النبي الشريف محمد بن عبد الله -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- هذا الانسان الذي ظُلم ولم يَظلم حارب وقاتل أعداء الإسلام والمسلمين وانتصر في نشر الرسالة عنوةً عن المشركين من أجل عزة الأمة والدين، هذا الإنسان الذي لم يكن همه استلام مناصب أو الحصول على المكاسب بقدر ما كان همه توحيد الأمة ونشر رسالة الاسلام والاحتكام لأوامر الله عز وجل والابتعاد عن نواهيه، أتفاجأ بأن بشار الأسد -الرئيس السوري الذي لا يزال رامياً نفسه على من لا يريده متمسكاً بكرسي رئاسة البلاد- يُشارك جموع الحاضرين في جامع عبادة الرحمن في كفرسوسة إحدى ضواحي دمشق احتفالهم بالذكرى ليؤدي بعد ذلك صلاة العشاء ويستمع لخطبة وزير أوقافه الذي ربط بين هذه الذكرى الشريفة وتقدم قواته النظامية في حلب.
 

أتظن يا حضرة الرئيس بأن محمداً عليه الصلاة والسلام سيُنجيك من العذابِ المستحق لك جزاء ما فعلت وما ارتكبت من مذابح ومجازر بحق السوريين لمجرد أنك احتفلت بمولده؟

حلب المدينة السورية العربية التي تشهد في هذه الأيام عمليات إجرامية بحق المدنيين وقصف عشوائي قتل المساكين في صور نشاهدها عبر الفضائيات التي تنقل لنا الأحداث لحظة بلحظة، ما يحدث من صراع دائر بين القوات النظامية والجيش المعارض تتصدرها القوات الروسية المناصرة للنظام من جهة ومن جهة أخرى، فإن ما يُسمى بالدولة الإسلامية داعش الذي هو صناعة أمريكية إيرانية غربية بامتياز تُقاتل في الأرض السورية لتُرسخ أهداف وأحلام ومطامع من كان له الفضل في صناعته ومدّه بكل ما يحتاج من أموال وأسلحة..

وإلا كيف استطاع الثبات أمام قوة التحالفات العربية التي جاءت بمشورة أمريكية لكي تُبين للعالم بأنها لم تصنع داعش ولم تعبث بالمنطقة وعدا عن داعش، فإن هناك الفصائل التي تم تشكيلها قُبيل بدأ المظاهرات والاحتجاجات في الشارع كان لها بالغ الأثر في تأزيم الوضع الحاصل على الساحة السورية من حيث قتالُها لبعضها دون أهداف واضحة تخرجُ سوريا من محنتها.
 

أما روسيا ومشاركتها غير المبررة للقتال في سوريا فما هي إلا لحماية وصون مصالحها الاقتصادية والعسكرية لا سيما القاعدة العسكرية التابعة لبحريتها في مدينة طرطوس والموجودة هناك منذ فترة الاتحاد السوفييتي ولحفاظها أيضاً المصالح الاستراتيجية ليُثبت الرئيس الروسي فلاديمير بيوتن أن روسيا لا تزال بقوتها المعتادة على الساحة الدولية وخصوصا بعد الإطاحة بحلفاء كمثل صدام حسين ومعمّر القذافي.
 

أما السبب الثالث لقتال روسيا في الأراضي السورية هو خوفها من الجماعات الارهابية وامتدادها بعد أن تم استهدافها بعدة هجمات نفذها إسلاميو الشيشان منذ العام 1990 ولا سيما أن بيوتن الرئيس الروسي، وعند تعرض بلاده لعقوبات اقتصادية مفروضة بعد أن ضُمت لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا وتدني أسعار النفط قد سار على مبدأهُ الأعوج يموتُ شعب ليحيا الآخر في الوقت الذي شعر بخطر يداهم شريحه كبيرة من مواطنيه ممن أجبرتهم الأوضاع الاقتصادية لدخول الطبقة الفقيرة..

فما كان منه إلا أن يُعزز روح الوطنية بين الناس ويُشغلهم عن الأوضاع الداخلية من خلال العمليات العسكرية في سوريا وهنا يبتعد بيوتن عن الذكاء ويقترب أكثر منه الى الأنانية الواضحة لمن يريد أن يحلل موقفه هذا بما يُمليه عليه ضميره لا هذه النقطة فحسب بل بمتاجرته بأسلحته وإستعراضها أمام الجميع وهي تدمر منطقة برمتها وتستبيح دماء ساكنيها كإعلان ودعاية لتصنيعه العسكري عالي الجودة.
 

وأنت يا "حضرة الرئيس" كيف لك أن تدخل جامعاً وأنت من هدمت بُنيان الآخر؟! أو كيف لك أن تبادر الاحتفال بمولد إنسان لو كان في هذا الزمان لما سمح لك ولأعوانك ومؤيديك أن تبطشوا بأرض الإسلام وتتنازعُ مع أعدائك لصالح السُلطة المتمسك بها على حساب من لا ذنب لهم من الأطفال والنساء والرجال؟! أأنت تعتقد يا حضرة الرئيس بأن محمداً سيكون لك شفيعاً يوم الحساب يوم لا تنفع سلطة ولا كرسي ولا روسيا ولا جيش! أتظن يا حضرة الرئيس بأن محمداً سيُنجيك من العذابِ المستحق لك جزاء ما فعلت وما ارتكبت من مذابح ومجازر بحق السوريين!

ومن ثم أخبرني كيف لك أن تحتفل بذكرى مولد إنسان لم تمتثل لرسالته الذي جاء بها، ولم تقتدِ بسننه الحميدة ولم تسر وفق منهجه الذي لا ينطبق مع ما تقوم به في بلد ليس لك فيها لا ناقة ولا جمل؛ غير أنك عبداً من عباده ستزول يوماً ما عن هذه الأرض التي طغيت فيها وقتلت أطفالها ودُست على كرامة رجالها؟
 

يا حضرة الرئيس إن كنت تعتقد بأنك انتصرت على شعبك الذي فرّ من ظلمك! وأنك أنت القوي وهم الضعفاء، فانتظر ملك الموت عدوّك الذي لن تتمكن أيُ قوةً عظمى أن تجابهه.

يا حضرة الرئيس المتمسك بسلطته لا تعتقد أن دخولك للجامع وآداك كم ركعة واحتفائُك بذكرى مولد من لو كان بيننا في هذا الزمان لما تجبرّت وتماديت على المسلمين في بلاد سوريا أن هذا سيغفر لك ذنوبك ويُحسن من موقفك ويُحفف عنك الحكم ففي الوقت الذي دخلتُ فيه الى الجامع تذكر أن هناك أصوات مظلومة تُصدر دعوات لإله لا يردُ دعوة المظلوم.
 

يا حضرت الرئيس المتمسك بسلطته حدثني عن قلبك الذي لا يعرف الشفقة ولا الرحمة عندما تشاهد جثة طفل مرمية على حافة الطريق، إذ كيف يكون موقفك لو أن الطفل هو طفلك! وحدثني أيضاً يا حضرت الرئيس المتمسك بسلطته كيف تنامُ ليلك وحلبُ تباد وتحترق والمئات يُعذبون ويُعدمون ويموتون ألف مرة بسبب ما يتعرضون له دون تأنيب الضمير. لماذا التمسك بالسلطة يا حضرة الرئيس والسلطة لا تريدك والشعب أيضاً لا يريدك ولن يرضى يوما بأن تحكمه بعد ست سنوات من تعذيبه وتشريده وقتله وهدم المنازل فوق أهلها.
 

فمن الصعب يا حضرة الرئيس أن تعود سوريا إلى ما كانت عليه قبل ست سنوات بعد أن دخلتها العصابات المتطرفة فزاد ذلك من الظُلم ظلماً، ودخلتها روسيا فزادت القتل قتلاً، ودخلها هواة الدمار إلى أن أصبحت ساحة قتال ومقراً للإرهاب وللإرهابيين الذين يتحدثون باسم الإسلام وهو منهم بريء.
 

يا حضرة الرئيس إن كنت تعتقد بأنك قد انتصرت على شعبك الذي فرّ من ظلمك وطالب بالحرية! وإن كنت تعتبر نفسك بأنك أنت القوي وهم الضعفاء فانتظر ملك الموت عدوّك الذي لن تتمكن أيُ قوةً عظمى أن تجابهه أو تعرقله عن القيام بمهمته بحق إنسان ظلم وقتل وشرد الملايين ولا زال يعتبر نفسه بأنه على حق وأن الجميع ممن طالبوه بحقهم في الحرية على باطل!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.