شعار قسم مدونات

ملك.. جلاد.. حرامي.. واقع السياسة المرير

Displaced Iraqis, who fled villages south of Mosul, line up to receive humanitarian aid from UNICEF, IOM, WFP and other organizations in Ibrahim Khalil village in Hamdaniyah, Iraq October 24, 2016. Picture taken October 24, 2016. UNICEF/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. FOR EDITORIAL USE ONLY.

هي الشخصيات ذاتها تتبادل الأدوار منذ أن جلست تلعب اللعبة وتعيد المرة والكرة.. كلهم سرق وكلهم بطش وكلهم فيه الخصام وهو الخصم والحكم. طبقة حاكمة تلعب لعبة تتبادل فيها الأدوار بديموقراطية الشراكة الوطنية، حيث جزّأوا الشعب الواحد.. واختلفوا.. وقالوا اختلف الشعب.. ثم نصبوا أنفسهم أوصياء على أصناف الشعب المختلفة.. وتقاسموا الوطن المباح لأحلام رعناء.
 

والشعب إن أراد الحياة يوما، فلا يطمعن باستجابة قدر أو بشر أو حجر، فرياح التغيير كلما أثارت موجة غضب الجماهير اعتلى أحدهم الموجة راكبا قائلا ها أنا ذا، ثم ما تلبث الريح أن تخبو بمهلة أو هدنة أو ترضية لراكب الموجة.
 

أولئك الذين شيّدوا متاهة الشعب حيث ضاع فيها ثلاثة عشر عاما بعد مثيلاتهن حصارا، كأنه على رقعة السلم والأفعى، ما فاتهم أن يضعوا أكبر افاعيهم عند نهاية اللعبة لتنتهي به عند نقطة البداية، وليس مهما إن تعتلي السلالم ما دمت راض بأن تلعب لعبتهم وما دامت النتيجة تسرهم.
 

حقيقة الخلافات والصراع بين الكتل والأحزاب السياسية العراقية هي لعبة المال والسلطة، لا تدخل مصلحة البلد في نقاشاتهم ولا حتى المصالح الطائفية التي اتخذوها ستارا.

هذه لعبتهم مع الشعب أما لعبتهم فيما بينهم "ملك، جلّاد، حرامي" ولكي تلعب عليك أن تملك سلطة ملك وسطوة جلاد وخسة لص؛ إذ إن اللعبة قائمة على تبادل الأدوار فمن كان بالأمس وزيرا يلقي التهم على الآخرين سبق أن كان جلادا يسوم الناس سوء العذاب وها قد حان دوره ليكون متهما بالفساد من قبل زملائه الفاسدين.
 

كلنا نعرف اللعبة إلا أنها هنا مختلفة قليلا فهي عبارة عن ثلاثة اقنعة يلبسها أربعة لصوص، يبقى في كل مرة أحدهم مفضوحا ويلعبون أدوارهم عليه مستغلين سلطات التشريع والقضاء والتنفيذ، ناهيك عن سلطة التأييد الخارجي وإمكانية التملص من المادة 56 من قانون العقوبات "نصب واحتيال".
 

إلا أن كنز قارون الذي وجد القوم أنفسهم فيه غرقى أوشك على النفاد إذ لم يعد كافيا بكل ما وسع لإشباع أفواههم وضاق ذرعا بجيوبهم التي لا تمتلئ، وهو الأمر الذي كان مبررا لهم ليلتفتوا إلى جيوب الكادحين فأقروا موازنة مالية عامة للبلد للعام المقبل 2017 تستقطع لقمة العيش من موظفي الدولة دون المساس بعروشهم وكروشهم.
 

وبعد أن غدت اللعبة غير مجدية كسابق عهدها حيث هدمت معاولهم جبل الذهب وما أبقت حتى ماء الفرات، دعا بعضهم بعضا إلى التسوية، فقسمتهم الأولى ما عادت مرضية، حيث نال من حصته الغزال أرنبا، وكان ذلك خلافهم الوحيد. أما من أخذ حصة الأسد فما عاد يرى لغيره حقا، فلم الأرنب أساسا!
 

ومع ذلك يبرز بين الفريقين فريق آخر يرفض تسوية الأمور فقد حصل حينما كان دوره "ملكا" على مكاسب لم يكن يحلم بها، حتى تمادى في حلمه فاستيقظ خارج المعادلة التي إن أعيدت حساباتها فسيبقى دوره "حرامي" وإلى الأبد، وهو الذي ما زال يلعب اللعبة عسى أن تنقلب الموازين مرة أخرى كعادتها لتعطيه الدور مجددا.
 

فحقيقة الخلافات والصراع بين الكتل والأحزاب السياسية العراقية هي لعبة المال والسلطة، لا تدخل مصلحة البلد في نقاشاتهم مطلقا ولا حتى المصالح الطائفية التي اتخذوها ستارا لتوسيع دائرة النفوذ، فالأحزاب السياسية الساعية اليوم إلى تسوية الحساب، إنما اختلفت حول قوانين اللعبة لا غايتها ونتائجها، وإن كانت الغاية دمارا والنتيجة أفظع.
 

ليس بينهم خلاف حول دم استبيح على قارعة الطريق بلا جريرة، ولم يشتاطوا غضبا على بلد تناهشته أنياب شرهة شرقا وغربا هم جاءوا بها.. أو حقيقة هي من جاءت بهم، لا بل حتى عامريّات الوطن ما لامست صرخاتهن غيرتهم برغم لطمها اسماعهم كل حين.

فحسابهم سيسوى بينهم "لا عتبٌ ولا زعلُ".. أما تشهير بعضهم بالآخر فلا يعدو كونه سخرية غراب من وجه أخيه، وكل ينتظر دوره.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.