شعار قسم مدونات

درع الفرات.. والوضع القانوني المحتمل

Rebel fighters gather during their advance towards the Islamic State-held city of al-Bab, northern Syria October 26, 2016. Picture taken October 26, 2016. REUTERS/Khalil Ashawi

لا زال الوضع القانوني لمنطقة درع الفرات غامضاً حتى الآن، ولا زال كل طرف من الأطراف الكبرى يطمع أن يكون الوضع القانوني مناسباً لمصالحه. فلما كان لكل وضع من الأوضاع القانونية مضار ومنافع في ذات الوقت، فقد توافقت مصالح الدول على بقاء الوضع القانوني لدرع الفرات معلقاً حتى اللحظة، وفي ذات الوقت تقوم كل الدول بجمع الثغرات القانونية ومواطن الهجوم السياسي على تركيا فيما لو حددت وضعها القانوني فجأة دون اتفاق مسبق معها.

والهجوم على تركيا إعلامياً وسياسياً أمر حتمي عند الدول الغربية، بغض النظر إذا ما كان الوضع القانوني مناسباً لهم أم لا، فضرب تركيا بعد فشل الانقلاب وفشل الهجوم الاقتصادي العنيف عليها أصبح أشبه باستراتيجية غربية راسخة ومستحكمة، وكأننا في حرب صليبية ولسنا في ساحة الملعب السياسي! ولكن ما هي هذه الأشكال القانونية المحتملة في درع الفرات، والتي تكاد تنحصر في أربعة احتمالات؟

منطقة درع الفرات مع ضخامتها، وبغض النظر عن المشاريع الضخمة التي ستقوم فيها، إلا أنها لا تعدو كونها مخيم إيواء تركي كبير للاجئين.

الاحتمال الأول: منطقة آمنة دولية:
هذا الخيار الذي ما تزال ترفضه جميع الدول العظمى حرصاً على استمرار المجازر، وترفض رفضاً قاطعاً إقراره في مجلس الأمن، على أمل أن يصل جيش الأسد وداعش والـpkk السوري إلى منطقة درع الفرات ويدخلوا في صراع مع تركيا، لعل تركيا تضطر للانسحاب من درع الفرات حينئذ، فتستقر الأمور للدكتاتور الأسد الإرهابي صديق المجتمع الدولي.

ليكون المجتمع الدولي بذلك شريكاً حقيقياً لجرائم الأسد، وتكون الحرب في سوريا أشبه بالحروب الصليبية الحديثة التي تتداخل فيها الحروب العسكرية مع الحروب السياسية والاقتصادية.
لكن من يدري فلعل شفقة المجتمع الدولي تتحرك عندما تشعر باستحالة تقدم الأسد ضد تركيا، فتحاول استصدار قرار دولي ليقاسموا تركيا كعكتها بالقوة؟! وفي حين ستطلب ذلك أمريكا، فإن روسيا سترفضه خوفاً من التهام أمريكا وحلفائها الكعكة وحدها كالعادة.

الاحتمال الثاني: منطقة آمنة تركية:
من حق تركيا في القانون الدولي دخول الأراضي السورية وإعادة توطين اللاجئين السوريين فيها لتخفيف الضغط عنها. فتضمن بذلك أمران: تخفيف اعتراضات المعارضة التركية على تواجد السوريين على أراضيها، والحفاظ على التواجد السني داخل الخريطة السكانية السورية، وإلا تحولت سوريا إلى مقاطعة أو ولاية إيرانية.

ويبقى هنا إشكالان: الأول: كيفية إقناع السوريين بالعودة إلى منطقة درع الفرات، ضمن سياسة تركيا التي لا تعتمد على الإجبار أبداً تجاه الشعوب، لتبقى صورتها ناصعة دائماً. والثاني: كيفية المحافظة على أمن المنطقة في ظل تزويد أمريكا للـpkk السوري بمضادات طيران لضرب الطيران التركي الذي يحمي المدنيين، في حين حرمت السوريين منه خلال السنوات الماضية لضمان استمرار المجازر، وفي ظل الدعم الاستخباراتي والعسكري الغربي لداعش للقيام بأعمال إرهابية في منطقة درع الفرات، وقيام النظام بتزويدها بالسلاح اللازم من خلال عمليات انسحاب وانتصار وهمية.

وفي حين أن الإشكال الأول تبدو فيه خيارات إغراء السوريين بالعودة واسعة جداً، فإن الإشكال الثاني لا يمكن التحكم به؛ لأن الحرب القذرة ضد تركيا لم ولن تتوقف حتى ينتصر الغرب بتعيين حاكم دكتاتوري في تركيا.

وتجدر الملاحظة أن هذا الاحتمال يتعين فيه أن تكون جميع الإدارات تركية؛ لأن منطقة درع الفرات مع ضخامتها، وبغض النظر عن المشاريع الضخمة التي ستقوم فيها، إلا أنها لا تعدو كونها مخيم إيواء تركي كبير للاجئين.

الاحتمال الثالث: منطقة حكم ذاتي سوري بحماية تركية:
مع أن السوريين مختلفين في هذا الاحتمال اختلافاً كبيراً -كما في غيره-، فبعضهم يراه بادرة لتقسيم سوريا، مع أن الحكم الذاتي لا يعني ذلك، وبعضهم يراه ظفراً لأن إداراته ستكون سورية، لعله يظفر بمنصب فيه، إلا أن هذا الاحتمال أشبه بالحلم؛ فأي واحدة من الميليشيات ستشكل إدارة الحكم الذاتي؟ وما هي الكفاءات التي تملكها لتشكله؟ وما هي تجاربها الإدارية والسياسية لتفعل؟! في ظل تخوين عارم لبعضهم بعضاً، وانعدام للرؤية، وليس مجرد عدم وضوح.

وإذا افترضنا أن الحكومة المؤقتة ستقوم بهذا الدور فهذا يعني تركها لإدارة باقي سوريا، فإذا انتدبت هيئة لإدارة منطقة الحكم الذاتي فهل ستنجح هذه الهيئة فيما فشلت فيه الحكومة المؤقتة من توحيد الجيش الحر، وفي إقناعه بضرورة دعمها، وضرورة الانضباط في سلوكياته والخضوع لسلطة القانون، وفي تحويله إلى جيش نظامي لا يُخَوِّن بعضه بعضاً؟!

وسيبقى خيار نجاح الحكومة المؤقتة في حصولها على ذلك مرهوناً بنجاحها في هذه الإجراءات، والتي حاولنا مساعدتها فيها -ولو على حساب سمعتنا- ولم ننجح في ذلك.

الاحتمال الرابع: دولة مستقلة تعترف بها تركيا فقط:
وهذا الاحتمال أشبه ما يكون بجمهورية شمال قبرص، لكنه يحتاج استفتاء بحق تقرير المصير خلال يوم واحد قبل بدء الغرب وأبواقه بالاعتراض، على عادتهم بالاعتراض على كل قرار تركي بغض النظر عن كونه يحقق مصالحهم أم لا.

وتركيا يستحيل أن تلجأ إلى هذا الخيار الذي يحدد مدى عمقها الاستراتيجي لعقود، إلا إذا وصلت إلى طريق مسدود في كل الاحتمالات السابقة.

ليبقى هذا الاحتمال الخيار الأخير والوحيد لمنع الانسحاب التركي من سوريا، فيما إذا قويت الضغوط الدولية على تركيا لإفساد مشروع المنطقة الآمنة التركية من جهة، وفي حال استطاع الغرب العبث بعقول بعض العملاء والخونة السوريين وتحريضهم على تركيا ونجحت في دعم الإرهابيين السوريين وفي تبني الموتورين السوريين من جهة أخرى.

وينبغي ملاحظة أنه يتعين على حكومة هذه المنطقة أن تنسى باقي سوريا ولا تتكلم عنها أبداً؛ لأنها أصبحت خارج حدودها! ومع اعتراض كثير من السوريين على هذا الاحتمال، لكن هل نجحوا في توحيد رؤيتهم للضغط باتجاه احتمال آخر محدد؟!

كأن السياسة عند البعض تكون بالتشهي، فإذا لم يعجبه لاحقاً خيار فيمكنه أن يبدل إلى حلوى صديقه بعد أن دخلت في فمه، ولندخل في صراع جديد بين الأطفال.

فإذا أخفقت تركيا في تحقيق جميع الاحتمالات السابقة فسيكون الانسحاب خيارها المر، ليجني السوريون عموماً بذلك -كعادتهم- تبعات انعدام الرؤيا وتفرق الصف، وتحديداً الشعب المقهور المغلوب على أمره دائماً.

ومع أن هذا الخيار يُعد شبه مستبعد في السياسة التركية؛ لأنها تتقدم ببطء، لكنها لا ترجع إلى الوراء في أي تقدم سياسي أو عسكري بداية من عهد نجم أربكان الذي استصدر قرار دخول قبرص إلى الآن.

لنصل في النهاية إلى النتيجة النهائية ذاتها: أين القيادة السورية السياسية والعسكرية والشرعية الواحدة التي تتكلم باسم شعبها وتحدد ما تريد بالضبط؟ وما هي سياسة السوريين الثائرين تجاه هذه الاحتمالات؟ وأين موقعهم من هذه الخريطة؟ ومن سيدرس الاحتمالات ويحدد مصالحهم ومضارهم في كل احتمال من هذه الاحتمالات؟

إلى متى سيبقى عشرات السوريين الذين يظنون أنفسهم قادة يجلسون مع المسؤولين الأتراك ليحكوا أحلامهم، دون وجود هدف واحد محدد يضغطون جميعاً باتجاهه، ويقنعوا تركيا بقدرتهم على التعاون معها لتحقيقه، ودون وجود خطط واضحة لإدارة الصراع الطويل! وكأن الاختيار بين الاحتمالات السابقة هو اختيار لعبة من بين مجموعة من الألعاب، فيصرخ أحدهم أنه يريد الحلوى الصفراء وآخر يريد الخضراء وآخر يريد الحمراء!

وكأن السياسة تكون بالتشهي، فإذا لم يعجبه لاحقاً خيار فيمكنه أن يبدل إلى حلوى صديقه بعد أن دخلت في فمه، ولندخل في صراع جديد بين الأطفال. ولا يعلمون أن كل احتمال من هذه الاحتمالات يحمل في داخله أمل البقاء وسُمَّ الفناء في وقت واحد!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.