شعار قسم مدونات

حلب ورائحة الموت

Residents walk near damaged buildings in the rebel held area of Old Aleppo, Syria May 5, 2016. REUTERS/Abdalrhman Ismail/File Photo

حينما قرأت عن سقوط الأندلس، حاولت أن أبحث عن ردود الناس في تلك الفترة فلم أجد فرقا بين ذلك الزمن والآن. وفي المستقبل سنجد من يكتب كيف سقطت حلب وكيف انتزعت الحياة منها. ليس هنالك فرقٌ كبيرٌ بين ما يفعله نظام الأسد الآن وما كان يفعله الجنود القشتاليون في غرناطة.

 

لا أجد في حلب الآن سوى رائحة الموت المنتشر في كل حي من أحيائها الجميلة. المدينة التي حولها مغول العصر الحديث الى مقبرة أمواتٍ؛ فقد سرقوا الحياة من كل حي، ولم يميزوا بين طفلٍ، ولا امرأة، ولا شيخٍ هرمٍ.

 

إن حلب تباد اليوم على يد العرب أنفسهم وتحت اعينهم. لا اعلم ماذا سيكتب التاريخ عنا في المستقبل جيل أضاع القدس وجيل دمر الشام.

إن حلب أكبر مدن سوريا الحديثة وعاصمة الدولة الحمدانية في عهد سيف الدولة الحمداني تباد الآن وتحت أنظار العالم أجمع، ولو نظرنا في التاريخ لوجدنا أن من كان يفعل ذلك هم فقط المغول؛ فقد كانوا ينزعون الحياة من كل شيء أمامهم حتى الحيوانات لم تسلم منهم.

 

عندما قرأت لأول مرة عن مجزرة حماة وعن قصص السجناء في تلك الفترة، صدمت من نظام قد يبيد مدينة بالكامل فيقتل ما لا يقل عن خمسين ألف مواطن، ناهيك عن جرائم الإبادة غير المعلنة وعن السجون الممتلئة.

 

لم أعلم يومًا أنَّ بعد ثلاثة عقود ستتكرر نفس الاحداث وعلى نطاق أوسع، فقد أُبيدت الحياة في حلب وأُحيلت إلى موتٍّ خطف البراءة من أعين صغارها. طائرات ترمي بكل أنواع وأشكال الموت، وكأنها تقول خذوا الحياة من حلب وانشروا فيها الهلاك.
 

من نجى من قصف الطائرات والبراميل المتفجرة، سيلقى حتفه جوعًا وبردًا، فماذا ينتظر العالم بعد كل هذا حتى يُحرّك سكونه المعهود؟

 

لقد فقدت الإنسانية وتبلدت مشاعر الناس تجاه ما يجري في حلب وفي كل أنحاء العالم العربي. نتيجة كثيرة الألم والموت. إن الجرعات الكثيرة من الموت التي يتناولها سمع وبصر المشاهد العربي تؤدي الى تبلد الإحساس بالإنسانية، فتصبح الأرواح البشرية الطاهرة مجرد أرقام تتزايد بشكل مستمر.

 

ما معنى الإنسانية التى كل العالم ينادي بها! هل لها معنى مختلف غير الذي نعرفه نحن! أم أن من يقطنون في تلك المنطقة التي تقع خارج العالم أو خارج إنسانيتكم المزيفة ليسوا أناسا حتى تشملهم إنسانيتكم العنصرية.

 

إن الحياة داخل عالم مزيف مليء بالنفاق -حتى بالمشاعر- سيئة للغاية. نحن جيل لم يعش فترة سقوط بغداد على يد المغول ولم نعش فترة سقوط الأندلس بيد القشتاليين، ولكننا عشنا الأسوأ من كل ذلك، فقد عشنا الفترة الدموية للمسلمين بينهم البين. وإن كانت بغداد قد استبيحت وقتل وشرد أهلها على يد المغول، وكذلك كانت الأندلس على يد القشتاليين، فإن حلب تباد اليوم على يد العرب أنفسهم وتحت أعينهم. لا أعلم ماذا سيكتب التاريخ عنا في المستقبل جيل أضاع القدس وجيل دمر الشام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.