شعار قسم مدونات

هل يتم التفوق على ترمب؟

U.S. President-elect Donald Trump speaks at the USA Thank You Tour event at the Wisconsin State Fair Exposition Center in West Allis, Wisconsin, U.S., December 13, 2016. REUTERS/Shannon Stapleton

هذه ليست مدينة تعج بروح الأعياد ومع توجه الكونجرس لبدء عطلته، يوجد شعور بأن ثمة نذير شؤم يلوح في الأفق، فقد يحاول الناس تجنب مناقشة التنصيب المنتظر في 20 يناير للرئيس المنتخب دونالد ترمب، لكن لا يظل هذا الموضوع بعيدا عن النقاش لفترة طويلة.

 

ففي الحفل الذي أقامه البيت الأبيض الأسبوع الماضي بمناسبة عيد الميلاد للصحفيين، تساءل الصحفيون ما إذا قد يكون هذا الحفل هو الأخير من نوعه لسنوات قادمة ومن الصعب تخيل أن ترمب، الذي لا يحب الصحافة، سيستضيف مثل هذا الحدث، ناهيك عن وقوفه إلى جانب زوجته ميلانيا لتحية كل ضيف من الضيوف كما فعل باراك وميشيل أوباما على مدار ثماني سنوات. وتندر أحد الصحفيين بأن حفل عيد الميلاد القادم سيقام في فندق ترمب الدولي الذي افتتح مؤخرا على مقربة من البيت الأبيض وأن يدفع المدعون نظير حصولهم على المشروبات في مثل هذا الحفل عند إقامته.

 

اختيارات ترمب المحافظة للغاية لإدارته والتي تشتمل على عدد غير طبيعي من المليارديرات لا تتوافق إطلاقا مع حملته التي قدم نفسه فيها على أنه بطل للعمال ورجل الأعمال الذي لا يحمل أيدولوجية والذي يمكنه القيام بالعمل الحكومي.

بالطبع، إذا ما كان حفل عيد الميلاد للصحفيين هو السابقة الأولى الوحيدة التي سيكسرها ترمب وفريقه فلن يزعج ذلك أي شخص لكن ترمب أظهر حتى الآن عدم اكتراث باللوائح والقواعد وعدم احترام للقيود مما يعني إن من الصعوبة بمكان التنبؤ بأفعاله مما أعطى شعورا بين الديمقراطيين والجمهوريين على السواء بالشك والقلق.  لكن القلق يتجاوز واشنطن: فالكثير من المواطنين العاديين في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى يتخوفون بالتأكيد من عواقب إدارة ترمب.

 

ومع الأخذ في الاعتبار تقلب ترمب، ينظر الكثير إلى وزراءه من أجل العثور على إشارات تدل على توجه البلاد خلال السنوات الأربع القادمة لكن النتائج حتى الآن لا تبعث على الطمأنينة، لأسباب ليس أقلها أنه أظهر ميلا لاختيار جنرالات لإدارة وكالات مدنية – ثلاثة حتى الآن – والأكثر من ذلك أن العديد من مرشحي ترمب – في حالة موافقة مجلس الشيوخ عليهم – سيترأسون وكالات كانوا يعارضون مهمتها.

 

واختار ترمب بيتسي ديفوس لتكون على رأس وزارة التعليم وهي وريثة فاحشة الثراء تشتمل سيرتها الذاتية على جهود كارثية لخصخصة المدارس في ولاية ميشيجان. واختار ترمب أندي بوزدار وهو مالك سلسلة مطاعم وجبات سريعة ومن معارضي رفع الحد الأدنى للأجور إلى مستويات ملائمة للعيش أو زيادة مقابل ساعات العمل الإضافية لتولي منصب وزير العمل، وتعارض شركة بوزدار في الحقيقة قوانين ساعات العمل الإضافية. إن مرشح ترمب لمنصب المدعي العام وهو عضو مجلس الشيوخ عن ولاية الآباما جيف سيسينس لا يهتم كثيرا لقوانين الحقوق المدنية أو الهجرة.

 

ثم يأتي اختيار ترمب لبن كارسون ليترأس وزارة الإسكان والتنمية الحضرية. وكان كارسون وهو جراح أعصاب قد أيد ترمب بعد خروجه من الانتخابات التمهيدية للجمهوريين. وكارسون ليس من مؤيدي البرامج الاجتماعية أو مبادرات الإسكان العادل. وربما كان اختيار ترمب لرجل أسود لترأس تفكيك الإسكان العام الذي يدعم الأمريكيين من أصل افريقي غطاء جيد.

 

ولترأس وكالة حماية البيئة، اختار ترمب سكوت بروت النائب العام لولاية أوكلاهوما وهي ولاية منتجة للنفط والغاز، أما بروت فهو معارض شرس للتغير المناخي، ورفع قضايا عديدة ضد وكالة حماية البيئة. وجاء إعلان اختيار بروت بعد فترة قصيرة من تسليم فريق ترمب الانتقالي استطلاعا لوزارة الطاقة يسأل عامليها عما إذا كانوا قد حضروا اجتماعات ناقشت التغير المناخي.

 

وآخر الأنباء التي جاءت كالصاعقة هي اختيار ترمب الذي جاء بعد بحث طويل لركس تيلرسون الرئيس التنفيذي لإكسون موبيل لتولي حقبة وزارة الخارجية. وقد طور تيلرسون في صفقاته الدولية المكثفة التي عقدها والتي لا تضاهي الدبلوماسية علاقات وثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان ترمب لطيفا معه. والأنباء التي تثير القلق أكثر هي كشف ترمب عن نيته لاختيار تيلرسون في نفس اليوم الذي قالت فيه صحيفة واشنطن بوست أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السي. آي. إيه توصلت إلى استنتاج مثير للقلق بأن روسيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية لمساعدة ترمب على الفوز. ويبدو أن من المحتمل جدا أن يختار ترمب جون بولتون وهو من المحافظين الجدد المتحذلقين والذي مازال يدافع عن حرب العراق ويعتقد أن الولايات المتحدة يجب عليها أن تضرب إيران بالقنابل نائبا لتيلرسون.

 

قد يزداد استياء الجمهوريين إذا لم يفصل ترمب بصورة كافية مصالحه الخاصة عن مسؤولياته العامة مما قد يسبب له الحرج.

واختيارات ترمب المحافظة للغاية لإدارته والتي تشتمل على عدد غير طبيعي من المليارديرات لا تتوافق إطلاقا مع حملته التي قدم نفسه فيها على أنه بطل للعمال ورجل الأعمال الذي لا يحمل أيدولوجية والذي يمكنه القيام بالعمل الحكومي. لكن اختياراته تضعه قطعا في معسكر الأثرياء مع وجود اهتمام ضئيل بالعمال والطبقة المتوسطة.

 

ويبدو أن ترمب يعتقد أنه إذا ما قدم وسائل سطحية للتهدئة فإنه يمكنه صرف انتباه أنصاره عن الاتجاه الحقيقي الذي تسير فيه إدارته فلقد استقطع من وقت الإدارة الانتقالية لعقد تجمعات جماهيرية قليلة من الواضح أنه يستمتع بها أكثر من أعمال الحكم، وقد أشاد بصفقته مع كارير التي تصنع السخانات والمكيفات للاحتفاظ بالوظائف في الولايات المتحدة.

 

لكن الأمر استغرق يومين فقط حتى يدرك العامة أن ترمب وفر عدد ضئيل جدا من الوظائف مقارنة بالعدد الذي زعم أنه تمكن من توفيره وعندما شكا رئيس نقابة العاملين في الصلب المتحدة علانية، رد ترمب الذي يعرف بعدم تحمله للنقد في مشاحنات على موقع تويتر وألقى اللوم على رئيس النقابة في فقدان الوظائف. وهذا الأسلوب لن يمر بسهولة على الكثير من الموظفين من غير العمال والذين دأب ترمب على التودد لهم خلال حملته. وقد يؤدي استخدامه المفرط لتويتر كمنصة لإعمال التنمر التي يقوم بها لنتائج عكسية.

 

وقد يصطدم ترمب أيضا بمعارضة أكثر مما يتوقع في مجالات أخرى. ومع تحرك إدارته لإزالة اللوائح البيئية، فمن المحتمل أن يجد جمهورا أقوى بكثير مؤيد للهواء النظيف والمياه النظيفة أكثر مما كان يعتقد.

 

وسيقدم الديمقراطيون وهم أقلية في مجلس الشيوخ استجوابات قاسية للمرشحين في إدارة ترمب مما قد يتسبب في استبعاد مرشح أو اثنين. لكن الجمهوريين هم الذي يجب مراقبتهم حيث يعارض قادة الجمهوريين بالفعل تهديدات ترمب ببدء حرب تجارية. وإذا ما ضغط عليهم أكثر، فقد يصبح ترمب جنرالا يقود عدد قليل من الجنود.

 

وقد يزداد استياء الجمهوريين -إن من المرجح حدوث ذلك- إذا لم يفصل ترمب بصورة كافية مصالحه الخاصة عن مسؤولياته العامة مما قد يسبب له الحرج. ولا يوجد شيء مثل فضيحة جيدة أو فضيحتين لتثبيط عزيمة الاتباع غير المتحمسين أصلا. ومن المفترض أن تكون حملة ترمب ضد هيلاري كلينتون قد علمته هذا الدرس.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: بروجكت سنديكت

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.