شعار قسم مدونات

من حلب "لعلكم ترجعون"

blogs - syria - lebanon - war

العالم اليوم تسكنه ضلالات فكرية، وفلسفات دموية لم تبلغ -من ذي قبل- الحد الذي بلغته اليوم، في حين أن الفوضى تعم المعمورة كلها، لا صوت لغير القوة والبطش والإكراه، ولا شيء يُحترم سوى مصالح الغالب وأطماع القوى العالمية، على تفاوت بينها حسب ما تنص عليه سياسات حياة الغاب.
 

لسنا في هذا العالم المأجج بحمى القتل والمدجج بجرائم الحرب والإبادة في الخطر وحدنا، بل حتى شعوب الدول العظمى في ذات الخطر والتهديد، إذ الإنسانية منذ فجر الحياة الدنيا، وهي تسكن في قانون واحد، وتتعامل وفق سنن عادلة واضحة المعالم، فالطبيعة التي تزلزلها الزلازل وتغشاها حمم البراكين، علمتنا أن لكل زلزال ارتداد، ولكل بركان غضبة يندفع بها بقدر الصمت الذي ظل يستجمع به غليانه.
 

العالم اليوم يسرف في القتل وسفك الدماء، وكأنه بهذا الإسراف والسفك، يعلن لنا مجددا عن أن ديانات السماء التي يدعيها لم تعد صالحة لديه للعمل والمواربة، وأن النظام الدولي الذي لم يفتأ عن بناء اصنامه والنفث في عقده التنظيمية والسرية لم يعد هو الآخر قابلا للتداول، بل إن اشباه الرجال ومسلسلات المفاوضات وعتمة الوعود وضبابية المواقف كلها باءت بالفشل الذريع.
 

يجب أن تتمخض هذه المشاهد الدموية عن وعي إنساني ينادي بحلف فضول يرد مظالم الإنسانية إلى أهلها.

في مثل هذا الفشل الذي يسكن كل نجاحات الوهم السابقة، وفي مثل هذا الخراب الذي تتزين به معابد البغاة وعَبَدَة الدراهم والخمائل والذوات، في مثل هذا الواقع البائس نجد أنفسنا أمام مشروعية طلب الحياة، وفي لقاء حتمي لضرورات إنسانية وقرارات مصيرية، وفي ظل منح تمنحنا إياها المحن المستحكمة اليوم.
 

وبعد أن كنا نتهامس بالأمس فيما بيننا بضرورة البناء وفق رؤى تجديدية حاسمة، وبعد أن تنادمنا في نوادينا التي ضاقت بنا وبقضايانا المكرورة وقوانا المكروبة، يجب أن نتنادى اليوم -بكل شجاعة وقناعة وحزم- بضرورة التجديد في كل الرؤى التي آلت بنا إلى واقع يئن بين أيدينا أنين الثكالى ويتوسل إلينا بضرورة التجديد والتطوير توسل البائس الفقير.
 

يجب أن نُرْعي أسماعنا للواقع وتجلياته، وأن نسير ولو قليلا مع الواقعية التي هجرناها كثيرا مراعاة للحصانة التي تتمتع بها المثالية الماثلة في عالم النظريات وقراطيس عقول المهاجرين عن حياة الناس وآمالهم وآلامهم وسبل معاشهم!
 

يجب أن نُحيل مشاهد الدمار المضرّجة بدماء الأبرياء، موردا ملهما للوعي واليقظة من جديد، مللنا البكاء، وتمائم الخطباء، وكرهنا التلاوم وطرق آذان المصلين بسجع الدعاء، وجاء وقت "عودة للإنسانية ولا أبا بكر لها" وحان وقت أداء الإنسانية حقها وحقن الدماء وكف الأذى، وتحريم التطفيف الأخلاقي الذي تمارسه دور الفكر والمعرفة ومنابر السياسة ودواوين القيادة المزعومة، حتى غدت الأمة الإسلامة أحزابا وطوائف يقتل بعضها بعضا.
 

يجب أن تتمخض هذه المشاهد الدموية عن وعي إنساني ينادي بحلف فضول يرد مظالم الإنسانية إلى أهلها؟!

يجب أن نعي أن من ضرورة المرحلة أن نتخلى عن التحزبات والتوهمات الحزبية التي توشح بها شبابنا سنينا عددا؟

وأن ينزعوا عنهم درع التقية الفكرية المشينة التي شابت رؤوسهم فيها وجنائز أهليهم وذويهم تروح ولا تغدو من بين ايديهم ؟!

وأن نرجع لسمو الفطرة الإنسانية السوية، لوعي تنشط به الأمة من عقال الإكراه، ليعود إليها رشدها كما كان في سالف عهدها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.