شعار قسم مدونات

كشف الحساب في حلب

Buses are seen parked in Aleppo's government controlled area of Ramouseh bridge, as they wait to evacuate civilians and rebels from eastern Aleppo, Syria December 15, 2016. REUTERS/Omar Sanadiki TPX IMAGES OF THE DAY

 كل من يتابع ويشاهد ما يحدث في حلب ولديه ذرة إنسانية يتألم مما يحدث في حلب؛ ولكن من منا توقف للحظات ودقق النظر قليلاً في أسباب ما يحدث؛ ولفهم ما يجري يجب أن يتحلى الدارس لهذه الحالة بالتجرد ودراسة ما يجري لفهم الأحداث.

ماذا تفعل معارضة مسلحة ثائرة في داخل الأحياء السكنية في مدينة حلب؟ لماذا دخلت إليها واستقرت بها؟ هذا ليس سؤالاً بل هو إجابة بحد ذاته.

 

إنها جريمة عسكرية بحق في حق الشعب السوري في حلب؛ أولم يكن الأجدر بهذه المعارضة التكتل كأفراد وخلايا ومهاجمة بشار في قلب دمشق من خلال حرب العصابات؟ ألم يكن بقاؤهم في حلب أقرب إلى كونهم اتخذوا المدنيين في حلب كدروع بشرية؟ مرة أخرى؛ هذا ليس سؤالاً بل إجابة بحد ذاته.

 

إيران لها رؤية واضحة وفي نفس الوقت تعمل على أساس هذه الرؤية لا تتردد ولا تخاف من المجتمع الدولي. لا تتراجع ولا تفكر مرتين! إذا أتى أمر على أنه في المصلحة العليا للثورة الإيرانية فأنه يٌنفذ مباشرة.

أوليس جزء من المعارضة المسلحة هو جبهة فتح الشام أو النصرة سابقاً؟ أوليست النصرة تابعة "لتنظيم القاعدة الإرهابي"؟ إذن لماذا تصر المعارضة المسلحة على إبقاء جبهة النصرة جزءاًُ منها رغم أن ذلك صنع حجة قوية لروسيا من أجل إبادة حلب.
 

أوليس هذا تواطؤاً صريحاً مع تنظيم القاعدة المصنوع روسياً وإيرانياً لصناعة حجة لهما لغزو سوريا؟ هل هذه المعارضة تستهزئ بالعالم أجمع عندما تعلن كذبة انفصال النصرة عن القاعدة؟ ألم يصف أبو محمد الجولاني قيادة القاعدة بالقيادة المباركة في ذات خطاب الانفصال عنها؟ هل أصبح العالم أحمقاً لكي يصدق كذبة الانفصال هذه؟

 

هل نسي العالم الاقتتال بين هذه المعارضة الجرباء في الغوطة وكيف أفنى بعضهم بعضاً هناك؟ هل نسي العالم ماذا فعل مقاتلو ما يسمى بكتائب نور الدين زنكي بطفل صغير ربما لم يبلغ العاشرة من عمره عندما اتهموه تهمة حمقاء وهي أنه تابع للنظام وقاموا بذبحه مثل الشياه.

 

المعارضة السورية المسلحة ليس لديها غياب رؤية واستراتيجية وحسب بل بعض أجزائها متواطئ مع بشار الأسد ويعملون لصالحه. شهور وحلب تدك بأكثر القنابل تطوراً وهؤلاء المقاتلين مازالوا مصرين على البقاء في حلب؛ فبماذا يمكن تفسير ذلك غير التواطئ؟

 

كشف حساب العرب:

لماذا يبكي العرب على اللبن المسكوب الآن ويرمون باللائمة على العالم كله في مأساة حلب كأن العالم كله مذنب إلا العرب فهم الضحية البريئة؟ أوليس العرب من يقتلون الحرية في بلدانهم؟ أوليست سجونهم مليئة بكل من يفتح فمه للكلام؟ ألم يشجع العرب الانقلابات العسكرية في العالم؟ من هو الذي وصف الأخوان المسلمين بالإرهابين بينما هم أول من حارب الإرهاب بفكرهم المعتدل. أوليس العرب يحاربون كل حزب إسلامي؟ أوليسوا بلا إهداف؟ بلا رؤية؟ بلا قيادة؟ بلا تحالفات؟ إذن فلماذا يحزنون على حلب؟

 

في المقابل؛ إيران دولة واضحة جداً في أهدافها، دولة تعرف ماذا تريد، لديها خطة عمل واضحة جداً، قيادة واضحة تتمثل في شخص المرشد الأعلى للثورة، تحالفاتها واضحة جداً بل وقوية جداً. إيران تعمل بوضوح تام، ليس لديها أسرار في الأهداف وتحشد شعبها وراء هذه الأهداف، بل ودائماً ما تصرح أن منطقة الخليج مثلاً هي في الأساس تابعة للإمبراطورية الفارسية، وهذا دائماً ما يقال من قبل الساسة الإيرانيين.

 

في المقابل، فشلنا نحن؛ بحيث أن العرب لديهم غياب في الرؤية، فالخليج العربي يتخبط في رؤيته فتجده يلعن الإخوان المسلمين صباح مساء في صحفه وقنواته وفي نفس الوقت يتحالف معهم كأحزاب تحكم تركيا والمغرب والسودان ونيجيريا ويتحالف في نفس الوقت مع حزب الإصلاح اليمني الإخواني الذي هو أقوى قوة عسكرية في اليمن لمواجهة الحوثيين.

 

وبالمثال يتضح المقال، أتحداك عزيزي القارئ أن تجد صحيفة إيرانية واحدة تسخر من بوتين أو ترسم كاريكاتير مضحك عنه. بينما من السهل جداً أن تجد ذلك في أي صحيفة خليجية ضد حليف الخليج الأول السيد رجب طيب أردوغان.

 

إذا لم نبدأ بعاصفة حزم أقوى من الموجودة ودرع فرات أقوى وأوسع من الموجود فليختر كل منا الطريقة التي يريد الموت بها: إما عن طريق القصف أو ذبحاً من المليشيات الشيعية

ومرة أخرى، أتحداك عزيزي القارئ أن تجد صحيفة أو كاتب إيراني معروف يتمنى زوال بوتين أكثر من أي شيء آخر في العالم ويدعوا الله من كل قلبه أن ينتصر انقلاب عسكري على نظام بوتين فقط لأنه أرثوذكسي! ولك أن تتخيل الفرق عندما تراه واضحاً كالشمس بين اللوبي السعودي والإيراني في الولايات المتحدة.

 

وعليك أن تنظر إلى تريتا بارسي رئيس اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة، رجل ذو نظرة ورؤية ثاقبة، ذكي ومتوقد لدرجة أن جامعة ييل الأمريكية (وهي من أفضل جامعات العالم على الإطلاق) طبعت له كتاباً يعتبر مرجعاً أساسياً في العلاقات الدولية وعلم الاستخبارات السياسي خصوصاً لمنطقة الشرق الأوسط، واعتبر أن من لم يقرأه فقد خسر الكثير وهو كتاب؛ التحالف الغادر.

 

إيران لها رؤية واضحة وفي نفس الوقت تعمل على أساس هذه الرؤية. إيران لا تتردد. لا تخاف من المجتمع الدولي. لا تتراجع ولا تفكر مرتين! إذا أتى أمر على أنه في المصلحة العليا للثورة الإيرانية فأنه يٌنفذ مباشرة ولا تدخل أي حسابات أخرى على المعادلة.

 

في المقابل، الأتراك على سبيل المثال كانوا يرددون زوراً أن حلب خط أحمر وإدلب خط أحمر والموصل خط أحمر وجزر الواق واق خط أحمر. ولكنك دائماً عزيزي القارئ تسمع جعجعة ولا ترى طحيناً! الفعل ثم الفعل ثم الفعل وإلا لنهشت الطيور ما يتبقى من جثثنا بعد أن تقتلنا إيران وروسيا. وقد فعلنا ولكن قليل جداً، ونجحنا ولكن قليل جداً في عاصفة الحزم ودرع الفرات.

 

إذا لم نبدأ بعاصفة حزم أقوى من الموجودة ودرع فرات أقوى وأوسع من الموجود فليختر كل منا الطريقة التي يريد الموت بها: إما عن طريق القصف أو ذبحاً من المليشيات الشيعية. عندها لن يكون حلب وحدها من تباد. بل القاهرة تباد؛ والرياض تباد؛ والمنامة تباد..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.