شعار قسم مدونات

حلب بين النُصرة الحقيقية ومواسم الانتفاضة

epaselect epa05675862 A candlelight vigil for the victims of the fighting in Aleppo is held in Dam Square in Amsterdam, The Netherlands, 14 December 2016.

ظلت المنطقة الإسلامية والعربية على وجه الخصوص طيلة العقود الأخيرة منطقة متأججة بالصراعات أو هكذا أريد لها أن تكون. شكلت المنطقة حزام يمر بعدة نقاط ساخنة تلتهب في فلسطين حيث الصراع الإسلامي الصهيوني الأزلي مروراً بالعراق والغزو الأمريكي وتمتد لشمال إفريقيا والشام حيث صراعات المعارضة مع الأنظمة عقب اندلاع ثورات الربيع العربي.
 

ظل الحدث السوري وصراعاته المستمرة منذ مجزرة حماة وحصار حلب في الثمانينات من القرن الماضي وحتى الصراع السوري مع النظام والدول الداعمة له مع بداية الثورة السورية تزامناً مع الربيع العربي وتحديداً في 18 مارس 2011 متصدراً على طاولة السياسة الإقليمية والعالمية وساحات الصراع العسكرية ومحط أنظار الإعلام العربي والدولي.
 

الحالة ما هي إلا نتاج مشاعر مراهقة بلا إدراك حقيقي أو وعي جمعي بحقيقة الصراع هي مجرد استثارة موقوتة سببتها مشاهد الدماء والأشلاء في الطرقات

هو أيضاً أشد الصراعات عنفاً ودموية وربما حاكى الصراع السوري العالمي -إن صح التعبير- في ملحميته ووجدانيته الصراع الإسلامي الصهيوني في قلوب المسلمين في شتى بقاع الأرض، وهذا ما دعاني لأن أتخذه كحالة للدراسة والبحث عن إجابة لهذا السؤال المحوري في وجهة نظري وهو "لماذا حدث بهذا الحجم وتلك الأهمية لا ينطبق عليه قانون نيوتن الثالث؟!".
 

دعونا نأخذ من العام ونسقط على الخاص، لماذا لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار مضاد له في الاتجاه إلا الانتهاكات والمجازر والقمع ضد المسلمين؟ ليس بالضرورة أن تكون محللاً سياسياً أو متابعاً قوياً للأحداث لتدرك مدى خفوت الحراك الأممي الشعبوي المعارض ضد هذه الانتهاكات، فقط يكفيك بالبحث عن مقاطع مصورة لتظاهرات معارضة للعدوان على غزة في 2008 أو العدوان على لبنان في حرب تموز 2006 وتقارنها بمثيلاتها الآن لتدرك ذلك.

 

ليس الحديث هنا عن الأعداد فربما لو أحصينا عدد المدونين على هاشتاج حلب تباد لفاق هذه الأعداد بأضعاف، وأضف إلى ذلك أن تلك الانتفاضات كانت مجرد هبات شعبية ما تلبث حتى تهدأ، لكنها وبالرغم من ذلك كله كانت أكثر حرارة ودعماً وضغطاً من هذا العدد الهائل من المنشورات والمشاركات التي ما تلبث حتى تواريها سيل محتوى العالم الأزرق ليختفي بعد بضعة أيام.
 

السؤال هل حلب هي موجة أخرى من موجات التعاطف اللحظي والدعم المؤقت ستختفي مع أول وقف إطلاق نار يعطي فرصة للإعلام الدولي والعربي بسحب الأضواء عن موقع الأحداث، وستنتهي الضجة بعد أول شحنة مساعدات تعلن الأمم المتحدة عن وصولها كنوع من تأدية الواجب وأخذ اللقطة أمام المجتمع الدولي؟
 

الواقع في وجهة نظري على الأقل أنها هكذا، وهكذا ستبقى هي ومثيلاتها في سوريا وفلسطين وغيرها، هذه الحالة ما هي إلا نتاج مشاعر مراهقة بلا إدراك حقيقي أو وعي جمعي بحقيقة الصراع هي مجرد استثارة موقوتة سببتها مشاهد الدماء والأشلاء في الطرقات، واستجلبت منا العبرات كلمات الرجل يواسي طفلاً فقد أباه بجملة "راح على الجنة خيو.." التي هي برغم مأساويتها وتأثيرها إلا أنها ستمضي كسابقاتها إلى طي النسيان طالما كانت هي المرتكز التي استندت إليه غضبتنا.
 

وستبقى منشوراتنا وهتافاتنا وتبرعاتنا بلا جدوى طالما افتقدت للمشروع الذي يوظف كل هذا، وطالما افتقدت حركتنا للتنظير ستبقى بطيئة متخبطة.

غضبة ترتكز على بعض مكونات هوية مشتركة وحس إنساني لا زال ينبض، هي بالكاد كغضبة مواطن كندي أو برتغالي يجلس علي أريكته وقد استثارته أخبار حلب على شريط أخبار إحدى القنوات المحلية أو صادفته صورة طفل علي موقع للتواصل الاجتماعي، غضبة شبيهة بغضبة دول أمريكا اللاتينية المعروفة بمواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية لكنها لا تزال في نطاق التضامن.عاطفة معصوبة العينين تقودنا دائماً لأسئلة وجودية إجابتها تدور في حلقة مفرغة ننتهي منها إلى حالة عجز بلا جواب حقيقي. الإجابة الحقيقية ليست موجودة لأن السؤال بالأساس ليس موجوداً!
 

ستبقى خطانا تائهة طالما افتقدنا الوجهة، وستبقى كل الطرق لا توصل طالما أزيلت المعالم واللافتات، ستبقى انتفاضتنا موقوته وستبقى الفصائل متفرقة وستبقى الملاجئ ممتلئة والشتات مستمر، وستبقى منشوراتنا وهتافاتنا وتبرعاتنا بلا جدوى طالما افتقدت للمشروع الذي يوظف كل هذا، وطالما افتقدت حركتنا للتنظير ستبقى بطيئة متخبطة.
 

سنجد الإجابة فقط عندما نسأل أنفسنا ماذا نريد؟ ولماذا نريده؟ وكيف نحصل عليه؟ لكن حتى ذلك الحين ستبقي حلب وغيرها موسم للانتفاضة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.