شعار قسم مدونات

أهزمت حلب أم انتصرت داريا؟

A still image from video taken December 12, 2016 of a general view of smoke rising over bomb damaged eastern Aleppo, Syria. Video released December 12, 2016. REUTERS/via ReutersTV

ثلاثة سنوات تعاني مدينة داريا بريف دمشق حصارا مطبقا لا يدخل إليها أحد ولا يخرج منها أحد. تم حصارها من قبل أقوى الفرق التابعة للنظام السوري ومنها الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة بالإضافة إلى الميليشيات المستوردة كحزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية، داريا التي يقع بقربها مطار المزة العسكري الذي يعد من أكبر مطارات سوريا، كانت أكثر المدن السورية التي تعيش تحت الحصار تم قصفها بما يقارب تسعة آلاف برميل متفجر مع تعرضها للقصف بالنابالم والفسفور والقنابل العنقودية المحرمة دوليا.
 

كل هذا لم يضعف عزيمة ثوراها على الصمود الأسطوري أكثر من ثلاث سنوات بوجه أشد آلات العصر فتكا وأكثرها إجراما. فهل تختلف شجاعة مقاتلي داريا عن شجاعة من دخل حلب بالأسلحة الخفيفة و ببضعة آلاف طلقة روسية تحت راية واحدة "لواء التوحيد"؟
 

لم تدرك المعارضات السورية سياسية كانت أم عسكرية مكمن قوتها فتتوحد لإنهاء مأساة شعب كامل بل على العكس مئات الفصائل بإيديولوجيات مختلفة

بالطبع لا، لكن داريا تميزت عن شقيقاتها في سوريا بعدم تشتت الفصائل المقاتلة فيها متمثلة بلواء شهداء الإسلام والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، بالإضافة إلى المجلس المحلي لمدينة داريا الجهة الوحيدة التي يتم تقديم المساعدات عن طريقها للمدينة، مما أدى لضبط إدارة المدينة عسكريا ومدنياً مما صعب على النظام وحلفائه اختراق المدينة أمنياً كما حصل مع الكثير من المدن والقرى في سوريا.
 

لقد حير لغز صمود أهلنا في داريا ثلاث سنوات قبيل خروجهم أعلون بإنفاق برعاية الأمم المتحدة مع النظام السوري بالانسحاب من المدينة بأسلحتهم جميع سكان المعمورة. مدينة محاصرة لا تتجاوز مساحتها تسعة كيلو مترات أذاقت قوات النظام السوري وحلفائه الويلات، ومن ثم خروج مشرف وبسلاحهم الخفيف! لقد عرف أهل داريا مغزى بيت الشعر القائل:
كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى *** خطب ولا تتفرقوا أفرادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً *** وإذا افترقن تكسرت آحـــادا
 

واليوم وبعد مرور السنوات الخمس على الثورة السورية وما يعانيه الشعب السوري من ويلات، لم تدرك المعارضات السورية سياسية كانت أم عسكرية مكمن قوتها فتتوحد لإنهاء مأساة شعب كامل بل على العكس مئات الفصائل بإيديولوجيات مختلفة، قوى سياسية مشتتة لا تمتلك مرجعية لاسيما أن الكثير من الكيانات السياسية السورية التي تم تشكيلها خلال الفترة الماضية لم تنل ثقة الشعب السوري ولم ترق النشاطات الثورية لتلك الكيانات إلى مستوى التضحيات التي قدمها السوريين داخل سوريا.
 

أما عن الفصائل العسكرية التي لا تتسع السطور هنا لذكر عدد المرات التي طالبها السوريون بالتوحد فبات لسان حال السوريين على الأرض يقول أرجوكم إما توحدوا أن انصرفوا.
 

أعود مجدداً إلى لواء التوحيد الذي دخل مدينة حلب من ريفها فاتحاً بسلاحه المتوسط والخفيف أحيائها الشرقية، حيث لم تستطع تلك الفصائل التي بلغ عددها ثمانية عشر فصيلاً في وقت سابق دخول المدينة إلا عندما انصهرت بكيان واحد تحت مسمى لواء التوحيد في الثامن عشر من يوليو عام 2012.
 

وكلامي هنا ليس ذماً لثوارنا على الأرض من شمال سوريا حتى جنوبها ولا مديحاً لأحد إنما هي سنة الله تلخصها الآية الكريمة "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ" إنه البينان الذي يشد بعضه بعضاً، معنى جليّ واضح بذاته، كلمات ومفردات ليست مبهمة لا نحتاج أن تذبح حلب لينفض الثوار في درعا عن كاهلهم غبار الشهور الثمانية التي لم يطلقوا فيها رصاصة واحدة في سبيل تخفيف الضغط عن حلب أو عن مدن وقرى ريف دمشق بقربهم التي تُفرغ من أهلها واحدة تلو الأخرى.
 

هي هزيمة لأكثر من 20 فصيل مقاتل في حلب لا للثورة هناك، ومعنى الهزيمة هنا هو "التشتت والتفرق" الذي إن استمر تأتي الهزيمة الحقيقة في المعركة

اليوم يا سادة عيون العالم أجمع نحو مدينة حلب التي ذاقت من الموت والعذاب ما ذاقته سابقاً الكثير من المدن والقرى السورية كالقصير ومدينة حمص وقرى ريف دمشق وغداً ربما إدلب، وريف حمص مروراً بدرعا والقنيطرة فمتى يعلن ثوارنا الأبطال وسياسيونا المحنكون وفاة تفرقهم وولادة وحدتهم من رحم معاناة الشعب اليتيم!
 

وبالعودة لعنوان المدونة، نعم هي هزيمة لأكثر من 20 فصيل مقاتل في حلب لا للثورة هناك وليس هذا الكلام انتقاصا بهم بل هم الأبطال.. إنما معنى الهزيمة هنا هو "التشتت والتفرق" الذي إن استمر تأتي الهزيمة الحقيقة في المعركة. هذا حال جميع الكيانات الثورية "سياسية، عسكرية، مدينة" التي حتى الآن وللأسف لم تؤدي دورها المطلوب في ظل موت يومي يعيشه أهلنا في كافة مناطق سوريا دون الشعور بالمسؤولية تجاه تلك الدماء التي تراق.

وخلاصة القول أتمنى أن تصل صدى هذه الكلمات إلى كافة العسكريين والسياسيين الذي رفضوا الاندماج تحت راية ثورية وطنية واحدة بسبب الخلاف الأيديولوجي والمناطقي الضيق، والعودة إلى راية الثورة الجامعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتجنب الهزيمة الكبرى وخروج الثورة بالباصات الخضراء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.