شعار قسم مدونات

لا تغيثوا حَلَب

blogs - syria

تصفحْ أي موقعِ تواصلٍ اجتماعي، لن تَجِدَ أمامك عبارةً أكثر من عبارة " أغيثوا حلب "، لكني سأقول لا تغيثوا حَلب ،فإغاثتكُمْ لها نفاق، لا حاجة لأن نُصَرِّح اليومَ بالقلق ووقف القصف عليها وطَلَبِ إمداداتٍ إنسانيةً إلى حَلَب في وضحِ النهار وفي الليلِ ننامُ مع النائمين، ونترُكُ أهلها وَحْدَهُم في جُنْحِ الليل في حلبةِ الصراع بين أطرافِ المعركة.

لا تغيثوا حَلَبْ، أغيثوا أنفسكم بأنكُم أمواتٌ تسيرون على الأرضِ بنبضِ قلبٍ فقط، حَلَب ليست بحاجةٍ لا إلى صراخٍ مستميت في وسائل الإعلام، ولَيْست أبداً بطفلةٍ يتيمةٍ تطلبُ منكم رعايةً أو مأوى، فلتلكَ الطفلةِ المدعوةِ حَلَب عائلات تحميها بأجسادها، لكن إذا ما سُلِبتَ قوةُ العائلةِ وَجَبَ علينا حينها أن نعملَ بمبدأ " الأقربون أولى بالمعروفِ"، ونُعينَهُمْ في ضَعفهم بعدَ القوةِ.
 

قبل أن تنادوا بشعاراتِ إغاثةِ حَلَب، نادوا بشعاراتِ إنسانيةِ الإنسان وحميته نحوَ دمِ أخيه الإنسان

لا تغيثوا حَلَبَ بمقالاتٍ تروي حالها ومأساتها، فَحَلَبُ لَيْسَتْ بمغمضةٍ العينين عن ما يجري في زقاقها وفي سمائها، لا تُكثِروا المقالَ عن جروحها فجروحها أبْلَغُ من أن تُصاغَ بحروفٍ لا ترينا إلى الدمَ وتدفعنا إلى حاشيةٍ الحزنِ فقط، بل اشحذوا كل الهمم بإيجادِ حَلِّ جَذريّ لما يَحدُثُ في حلب، كونوا أنتم الورقة الضاغطة على المعتدين، لا تجعلوا هدَفكم تباكي الأمم المتحدة وحصد دموع تماسيحها، فالمعتدون والباكون في عالمنا واحد!

لا تغيثوا حَلَب، أغيثوا أنفسكم التي طالها الرمادُ أكثر من سكانها فلا نورَ إلى قلوبكم زائر سوى لَمعان الذهب، أأقسم أنه لو عُرِضَ ذهبٌ مقابلَ كُلِّ حلٍ جديِّ لما يحدث في حلب، لباتت حَلبُ اليومَ في سلام؟

لا تطلبوا إغاثة حَلَب، وفي الجهةِ الأخرى أنتم حيارى ممن تغيثونها، من قصفٍ روسي أم حربٍ أهلية، لا ترددوا أبداً في وسائل الإعلامِ أنكم أمةٌ عربية ٌ فعربيةٌ هذه ماتت منذ رضيَ العالمُ بِحلَب مكلومةً ثم بعد أن أغرقتها الدماء طالبوا بوقفها، لا لأن ضمائرهم هُزَّتْ، بل لأنهم أصيبوا بالغثيانِ من منظرِ الدماء فطالبوا بوقفِ النزيفِ إن لَمْ يكُن حقيقة مطلبهم توجيهُ سريانِ الجرحِ إلى ما هو أبعد من نظرهم.

قبل أن تنادوا بشعاراتِ إغاثةِ حَلَب، نادوا بشعاراتِ إنسانيةِ الإنسان وحميته نحوَ دمِ أخيه الإنسان، قبل أن تغيثوا حلب، أغيثوا أنفسكم بانتشالها من عصرِ الشعاراتِ فقط، بانتشالها من موتِ النفسِ وبقاء الجسد.

كلامي هُنا ليسَ أبداً لِمَنْ لا حولَ له ولا قوة تحتَ جناحِ نظامٍ سيسكته قبلْ أن يتفوه بكلمةٍ، فهذا الإنسانُ، لا يَمْلِكُ إلا الدعاء، بل هو موجهٌ إلى أولئك المؤثؤين الصامّين آذاننا بشعاراتٍ لا تُغني عن جوعٍ ولا تلئمُ جُرحاً، ولا تعيدُ لنا حلب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.