شعار قسم مدونات

في معنى التعايش مع الآخر

Blogs - Handshake

كلفتنا مشرفة البحث في الجامعة بالبحث في موضوع التعايش مع الاخر، مما جعلني أقف وأبحث بجدٍ وكد ثم أدهشني الموضوع، فتأملتُ كيف دعا الإسلام إلى التعايش مع الآخر ثم ربطت في ذهني بين "الإسلام فوبيا" الذي ينتشر في خارج الدول الإسلامية، ويبرر جرائم بعض من يعتدي على المسلمين في القارة الأوربية ويحتج على فعلته تلك بأن الإسلام دينٌ إرهابي وعنصري.

ثم نظرت وقرأت بعناية، هل الاسلام فعلاً دين عنصري، أم أن هذا الرأي هو مجرد قول "خرج من كيس قائله" كما تقول جدتي!

من التعايش احترام من نبغض، أي لا يمنعنا عدم حب شخص ما من إعطائنا كامل حقوقه وكفنا عن الكلام عنه بباطل من وراء ظهره.

تأملتُ وقرأت فصولاً في تاريخ المسلمين وفي تاريخي كمسلمة بشكل عام، فوجدت صوراً جميلة تدل على التعايش المذهل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم افتقد جاره اليهودي الذي كان يؤذيه ويلقي بالقاذورات والنفايات أمام باب منزله فذهب لتفقده اعتقاداً منه بأن ذلك الجار ليس على ما يرام وكان الأمر كما اعتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان اليهوديّ طريح الفراش.
 

ألن يدل هذا على التعايش فعلا، نبيّ بعظيم منصبه وجلالة قدرة عند المسلمين يذهب لزيارة رجل مخالف له في الدين والعقيدة، وفوق كل هذا كان يؤذيه في عرضه وبيته وبلسانه، فلم يقل هو كافر لا أزوره، هذا معلمنا الأول يعلمنا درس التعايش مع الآخر ويتعامل بقمة الإنسانية.

ثم وجدتُ أخلاق المسلمين في دخولهم لسمرقند، وكيف حكم القائد بخروج جيش المسلمين حتى لا يكره أهل سمرقند على الإسلام، لإن من شروط الفتح الإسلاميّ هو دخول أهل البلاد في الإسلام طواعية دون إكراه أو إجبار، فلما رأى أهل سمرقند أخلاق القادة المسلمين أسلموا حباً وطوعاً وأردوا الدخول في هذا الدين الذي يحث على التنازل والتعايش.

فهل أقول هذه ديموقراطية إسلامية؟ بالطبع لا، فأنا أتحدث عن التعايش من منظور إسلامي تاريخي وليس من منظور حزبيّ حديث، وما أكثر المواقف التي تنص على التعايش بين المسلمين.

نجد في واقعنا نماذجَ رائعة للتعايش مع الآخر، ففي بلاد الشام ومصر على سبيل المسلمين صورٌ رائعة من التعايش مع أهل الأديان المختلفة. ولا أخفي بأنني لم أقتصر في البحث والقراءة عن التعايش مع منهم مخالفين لنا في الدين، بل حتى فيمن يختلف معنا في الرأيّ العام، أو المذهب من أبناء جلدتنا وملتنا، فعلى سبيل المثال لا يعنيّ الكف عن الجدال والتنازل عن المخاصمة بأننا خسرنا المعركة، لا بل يدلُ ذلك على الحكمة واللطف.

واليوم نفتقر لمفهوم التعايش بيننا كمسلمينّ، للأسف فنجدُ نسب الطلاق في ارتفاع ونسب فرار الأبناء من الآباء والأمهات في ازدياد أيضا. إلى من نعزو هذا الحال؟ بالطبع إلى جهلنا بتاريخنا وديننا، فالتعايش هو لا يعني التنازل أو بأنك ضعيف الشخصية، لا بل يدل على قوة الشخصية، فهو لينٌ في غير ضعف وقوة في غير بطش.

وما أضحكني بحق هو دعوات البعض إلى التعايش مع من يخالفنا في الدين والاختلاف مع من يتفق معنا في الدين، يا عزيزي التعايش له جانبان؛ أن نعيش مع من يخالفونا في الدين ومع من كانوا أخوتنا في الدين، فحريٌ بنا أن نعود لأسس التعايش فيما بيننا، حتى لا نرى حواء تفر من آدم وآدم ينفر من حواء، وحتى لا تبحثُ الفتاة عن صدرٍ حنون وقلبٍ "تافه" غير مضمون خارج محيط والدها الذي يردها ويرفض كل آرائها، ولأذكرُ نقطة أخرى، وهو أننا غدونا لا نستطيع التعايش حتى مع أنفسنا!

كيف ذلك؟ سأخبركم، نحن لا نستطيع التعايش مع اضطراباتنا وأفكارنا وأعمالنا المطلوبة منا، فنحن ننافق بالجلوس أمام مواقع التواصل مقابل الهروب من العمل الجاد، ونرفض التعايش مع المراحل الصعبة الحالية والتي ستكون في الغد أول اللبناتِ في طريق رقينا كأمة وأفراد.

أصبحنا مسلمين في دويلات بعد أن كنا تحت حكم واحد ولواء واحد، فأصبحنا نرى العثمانيين محتلين وغزاة كما يثرثر بعض صغار المثقفين، ويرون الأمويين بأنهم بربر، ويرون بنيّ العباس أصل التخلف والرجعية.

ومن التعايش احترام من نبغض، أي لا يمنعنا عدم حب شخص ما من إعطائنا كامل حقوقه وكفنا عن الكلام عنه بباطل من وراء ظهره. ومن التعايش ألا يختلف الحنفيّ مع الشافعي والشافعي مع المالكيّ في الأمور التي لا تنفع والتي تناولها أسلافنا بالكلام عنها في مؤلفاتهم حتى "كفوا ووفوا" فكل المذاهب تعود لأصل واحد مهما اختلفنا في الفروع، فلدينا قواعد رصينة تجمعنا. ومن التعايش أن لا نفرض رأينا عند الحوار وننطلق مع المخالف من نقطة اتفاق لا من نقطة اختلاف، فأساس أيّ حوار هو أن ننطلق مما يجمعنا حتى نخرج برؤية متفقه.

فالتعايش في الإسلام مصطلح واسع كثر فيه التصنيف، ففي العصر الحديث عرفنا مصطلح التعايش بخلاف العصر الماضيّ، فالتعايش يختلفُ وتختلف معانيه باختلاف أهداف المؤلفين عند تأليفهم في هذا الباب.

ولنعد لسابق حديثنا، فمشكلة المسلمين اليوم هو أنهم يعيشون في ظل فرقة كبيرة ويصغون لما يقال عنهم من الخارج، فكانت النتيجة أن زادت هوة الخلاف والشقاق، حتى صار المسلم يمر بجانب أخيه وهو يود قتله بيده وتسبقه نظراته إلى ذلك. ما كان حال أجدادنا مثل حالنا، لا بل كانوا يرون بأنّ مصلحة الجميع فوق مصلحة الفرد، ومصلحة الفرد لا تعنيّ الأنانية.

ولعل سبباً آخر يخفى عن الأذهان في بعض الأحيان، وهو أننا أصبحنا مسلمين في دويلات بعد أن كنا تحت حكم واحد ولواء واحد، فأصبحنا نرى العثمانيين محتلين وغزاة كما يثرثر بعض صغار المثقفين، ويرون الأمويين بأنهم بربر، ويرون بنيّ العباس أصل التخلف والرجعية.

فإن كان هذا موقفنا للتعايش مع التاريخ، فكيف سنتعايش مع بعضنا في شأن العصر الحالي والزمن الواقعي! وإني والله لا أرى إلا حلاً واحداً ومخرجاً وسطا ألا وهو أن نستمر في التوعية والقراءة والتثقيف ونطبق ما تعلمناه بيننا بشكل أولي، لنساهم في إعادة زرع مفهوم التعايش بيننا كفئة فتية بين المجتمع.

ورحم الله القائل "تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً، وإذا افترقن تكسرت آحادا"، فالأمر إذا يحتاج إلى تعاون وتوحيد جهد حتى نتعايش بيننا كأفرادٍ ومجتمع من جديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.