شعار قسم مدونات

الدماء لا تخون

blogs - سوريا

هي القلق الذي لم نراه قبلاً في وجوهنا.. هي الخوف الذي يسري في عروقنا مختلطاً مع الدماء.. هي الحياة التي تنتهي شيئاً فشيئاً.

 

أتعلمون ماذا تعني حلب لكل هؤلاء القابعين في رقعة صغيرة لا تتجاوز الـ 2 كم؟ هي الملاذ الآمن.. هي الحب الذي كان.. والوداع الذي سيكون. هي صديقي أحمد.. وعزيزي ملهم.. وأخي يوسُف.. من البسيط جداً أن أكتشف أشلاء إنسان وأراها في غير مكانها بعد أن أقوم بتفجيره.. هذا ما فعله المجرمون بمدينة حلب المحررة.. انتزعوا أشلائها بالقنابل وأحرقوا قلبها بنار الحقد.. وخنقوا روحها بالغازات السامة.. وأفرغوها من كل شيء حي.. ثم عبروها خاوية على عروشها..

 

سنواجه أعداءنا ونقاتلهم.. وسندافع عن أهلنا بصدورنا.. وسنسقي أرضنا بدمائنا.. وسنفتق من صخور الأرض شريان لنحيا به.. ولن تكسرنا الجغرافية التي تُقضم.. لأن رجالاتها مازالت تقاتل.

كيف يستطيع المجرمون أن يتغنوا بانتصار من هذا النوع؟ كيف ينسبون الى أنفسهم لقب الرجال ولم يستطيعوا ان يحتلوا شبراً واحداً من البلاد إلا بأعتى آلات القتل والإجرام والتدمير؟ الحقيقة هي أنهم ما واجهوا الرجال يوماً إلا ومُرِغت الأنوف وذاقوا الويلات حتى أناتهم وآلامهم لازالت في مسامعنا إلى هذا اليوم.. اليوم نحن في مرحلة الاختناق لا الحشرجة.. نبتة صغيرة تخنقها الصخور ولكنها تمضي في طريقها الى أول شعاع للشمس.. لتعانقه وتخبره كم أتعبتها الصخور والعراقيل لتصل إليه.

 

سنواجه أعداءنا ونقاتلهم.. وسندافع عن أهلنا بصدورنا.. وسنسقي أرضنا بدمائنا.. وسنفتق من صخور الأرض شريان لنحيا به.. ولن تكسرنا الجغرافية التي تُقضم.. لأن رجالاتها مازالت تقاتل.. لأن البنادق مازالت تعانق الأكتاف.. لأن الأرض تحملنا وترابها الذي زُرِعنا به يمسكنا.. هذا التراب حمل عن صدورنا الرصاص والشظايا.. غطى لنا السماء ليحجبنا عن عيون القتلة.. خبأ لنا أغلى شهدائنا في جوفه.

 

فجوتان وسبعة شجرات هرمات هم طريق السلام الخائن.. ومازلت أُدهس ومازلت أهذي ومازلت لم أستيقظ بعد.. ما أكبر الثأر في هذا القلب.. هي عن كل الكلمات الدلالية.. عن الدم والشهيد المقاتل الثائر في هذا المساء البكر.. عن البندقية الثكلى.. والرصاصات المثكولة.. ورجلهم الوحيد الشهيد.. عن هذه الليلة المظلمة خجلا من نور جباههم عن كل الأشياء المبتورة.. والمنتظرة للثأر.. ومحال أن ينتهي الرصاص.. ومحال أن نُهزم.. وإن خسرنا اليوم شبراً فقد علمتنا الحياة فيه أن لا عيش دون الحرية والكرامة.. ولأجل كرامتنا ولأجل حريتنا سنستعيد أمتاراً وأمتاراً حتى تغدو أرضاً طاهرة من رجس الغاصبين..

 

قال صديقي من المدينة المحاصرة:

"يا ربّ الثورة التي أحيتنا وربّ البنادق التي لا تصدأ والرصاص الذي لا يكتمه زحف، نعوذ بك أن نضعف أو أن ننكسر، أو أن نُهزم وفينا عرق ينبض ونفَس يصعد.

 

يا الله… لا تقبضنا قبل أن نُتمّ غضبنا وننتقم، لا تقبضنا قبل أن نُقيم عدالتك على هذه الأرض"

 

نعلم جيداً كم نحن أصحاب حق وأصحاب قضية لا تموت.. ونبتتنا لازالت في طريقها نحو الشمس.. وستملأ هذه الأرض خضاراً لأنها شربت من دمائنا.. والدماء لا تخون..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.