شعار قسم مدونات

نظرة إنصاف إلى بطل حريم السلطان

blogs - حريم السلطان
سليمان القانوني عاشر سلاطين آل عثمان، ولد القانوني عام 1495م وتوفي عام 1566. تولى إمارة صاروخان في عهد أبيه سليم، تربى تربية معنوية على يد مركز أفندي وكان منبع الفضل طوال حياته. جلس القانوني على العرش وهو ابن 26 ربيع في الثلاثين من سبتمبر عام 1520م. تميز القانوني بعزيمته وفضيلته في الإدارة لدرجة أن أطلق عليه أعدائه من الأوربيين لقب السلطان العظيم الرائع. لما توفي السلطان سليم فرحت أوروبا لأنها ظنت أن الذي سيرث عرشه شاب بلا خبرة أو دراية، لدرجة أنهم قالوا "مات الأسد وخلف نعجة" ولم يمر وقت طويل حتى انقلب فرحهم إلى غما ورعبا.

 

في عهد القانوني تعرض الجيش الصليبي لنكبة كبيرة أمام قلعة بشتة، حيث تلقوا الهزيمة على يد المسلمين الذين كانوا مكلفين بحراسة القلعة

أرسل سليمان القانوني إلى ملوك أوروبا يأمرهم بدفع الجزية التي كانوا يؤدونها لأبيه سليم فما كان من ملك المجر إلا أن قتل رسول الخليفة فاستشاط القانوني غضبا وقال "أيقتل سفير دولة الإسلام" هنا تتجلى عزة الحاكم المسلم العظيم سليمان القانوني فما أصبح إلا وقد أعد القانوني جيشا جرارا وذهب بنفسه وفتح بلجراد عاصمة صربيا حاليا وأمر أن يرفع الأذان من قلعتها، وبلجراد هذه كانت قد استعصت على محمد الفاتح فدعي الله أن تُفتح على يد رجل من نسله فكان سليمان القانوني، بعد فتح بلجرد وقعت هيبة القانوني في نفوس ملوك أوروبا وروسيا فأرسلوا إليه يهنئونه ويعطونه الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.

 

بادر القانوني بحملة صوب أوروبا وفتح رودس 1522م ثم المجر عام 1526م بمعركة "موهاج"، كما فتح بودابست وحاصر فينا عام 1529م، وخرج إلى حملة النمسا 1532م، ووقع معاهدة مع ألمانيا 1537م وفتح كل من أستركون وأستوني، جن جنون الأوربيين في ذاك العهد من تلك الفتوحات. وبتنازل خير الدين بربروس للدولة العثمانية عن شمال إفريقيا التي كان يحكمها آن ذاك في سبيل وحدة العالم الإسلامي أوكل إليه القانوني قيادة البحرية العثمانية وأصبح البحر المتوسط بمثابة البحيرة العثمانية في وقت قصير.

 

كما خرجت حملات إلى السودان والحبشة وإمتدت حدود الدولة في الجنوب إلى وسط إفريقيا وفي الشمال تقدم خانات القرم إلى موسكو، وفي عام1548م تم الإستيلاء على تبريز للمرة الرابعة وبذلك أصبحت الحدود في الشرق ممتدة إلى بحر الخزر.
 

كان القانوني يعامل ملوك أوروبا على أنهم ولاة عنده، فقد منع الرقص في فرنسا برسالة واحدة أرسلها إلى ملك فرنسا وأصبح الرقص سريا لمدة مائة عام بعدها.

وبسبب عدالة القانوني وصدقه صار تعبير العهد السليماني ضرب مثل بين الناس عن الوعود التي يلزم إيفائها. وفي عهده لم تتجرأ أي قوة من قوى الأعداء على محاربة الجيوش العظيمة للدولة العثمانية.

 

في عهد القانوني تعرض الجيش الصليبي المكون من مائة ألف جندي جمعهم البابا لنكبة كبيرة أمام قلعة بشتة، حيث تلقوا الهزيمة على يد ثمانية ألاف جندي مسلم كانوا مكلفين بحراسة القلعة، تحقق النصر للمسلمين بجيش يقدر بأقل من واحد على عشرة من الجيش الصليبي.

 

لقد تمكن القانوني من توسعت الأراضي العثمانية من ستة ملايين وخمسمائة وسبعة وخمسين ألف كيلوا متر مربع إلى أربعة عشر مليونا وثمانمائة وثلاثة وتسعين ألف كيلوا متر مربع أي ضاعف المساحة التي كانت في يد أبيه السلطان سليم. من مواقف عزة سليمان القانوني أن ملك إسبانيا كان يخطط لحملة على أراضي الأناضول في وقت كان السلطان سليمان في أوروبا، ولما علم امبراطور ألمانيا بالأمر أرسل إلي ملك إسبانيا ناصحا "أخي ملك أسبانيا لتعلم أن خروجك إلى الأناضول في وقت لا يوجد فيه السلطان أو جنوده هناك إنما يعني أنك تلقي بنفسك في فم الأسد وحينئذ لن تستطيع أن تنقذ نفسك من مخالبه أو فمه". كانوا يخافون دخول أرضه وهو جنوده غير موجودين، كان رحمه الله عزيزا على الكافرين رحيما بالمؤمنين كما وصفه أبو العماد الحنبلي " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ".

 

لقد كان النهوض المفعم بالهيبة والحماسة ليس ظاهرا عند القانوني فحسب بل ظهر في كل أفراد المجتمع، كان كل أفراد مجتمع الخلافة في هذا العهد يعملون بروح إيمانية وجدية وأصالة.

كان القانوني يعامل ملوك أوروبا على أنهم ولاة عنده، فقد منع الرقص في فرنسا برسالة واحدة أرسلها إلى ملك فرنسا وأصبح الرقص سريا لمدة مائة عام بعدها.  ففي عهده ظهر في فرنسا أن الرجال والنساء يتراقصون مع بعضهم البعض في الحفلات ولما وصل الخبر إلى الخليفة القانوني أرسل رسالة إلى ملك فرنسا قال فيها "لقد بلغني أن الرجال والنساء في بلادكم يتعانقون أمام الناس ويتراقصون بشكل يخالف الحياء والأخلاق في حفلات وقحة أوجدتموها ولأن بلادكم لها حدود مع بلادنا فإن هناك احتمال أن تنتقل تلك الوقاحة إلى ديارنا ولهذا عندما تصلك رسالتي عليك فورا أن تنهي تلك الوقاحة وإلا فإنني قادر على القدوم بنفسي إليكم لأقضي عليها، وسجل المؤرخ هامر أن الرقص أصبح سريا تماما في فرنسا لمدة مائة عام بعد هذه الرسالة.

 

هذا فقط بعض مما قام به سليمان القانوني على الصعيد العسكري، وعلى الصعيد الداخلي كان أثر القانوني أعظم مما سبق. قرب القانوني أهل الفتوى والعلماء وجعلهم أعلى المناصب بعد الخلافة وجعلهم بطانته فبرز في عهده شخصيات عظيمة مثل العالم الجليل أبو السعود صاحب تفسير أبي السعود، وابن كمال باشا الذين كان يلقب بمفتي الثقلين، والمعماري سنان الذي شيد السليمانية و كان لا يضاهيه أحد في العمارة بهذا الأثر، وفضولي وباقي بأشعارهم، وسنبل أفندي ومركز أفندي و يحي أفندي الذين عملوا بتوجيه القلوب إلى المعنوية، وخير الدين بربروس الذي تنازل عن شمال إفريقيا من أجل وحدة العالم الإسلامي والذي جعل البحر المتوسط بمثابة البحيرة العثمانية، وبيري رئيس الذي رسم خريطة العالم واكتشف أماكن لم تكن مكتشفة من قبل والوزير صوقولوا الذي أظهر دراية وخبرة بإدارة الدولة كانت تعادل خبرة السلاطين.

 

إن كل هذه الشخصيات التي قربها الخليفة القانوني أوصلت الدولة العثمانية إلى نقطة الكمال. لقد كان ذلك النهوض المفعم بالهيبة والحماسة ليس ظاهرا عند القانوني فحسب بل ظهر في كل أفراد المجتمع حتى في أصغر رتبة في مؤسسات الدولة، كان كل أفراد مجتمع الخلافة في هذا العهد يعملون بروح إيمانية وجدية وأصالة.

 

وهذا البحار الذي حمل بشارة انتصار يزوره على فرس يعدوا بسرعة ولما دخل قصر توبكابي بهذه السرعة الهائلة سحب البحار لجام الفرس فصهل الفرس ووثب على رجليه الخلفيتين لفترة ثم سكن، ولما رأى القانوني ذلك المنظر قال "لقد أتيت بفرس كوهيلاني غاضب فرد البحار على القانوني بقوله "يا مولاي السلطان إن البحر الأبيض أيضا كان كوهيلانيا غاضبا ولكننا روضناه وهذا الرد الذي رد به البحار إنما هو ظاهرة للاعتماد على النفس المنبعث من هذه القوة الإيمانية الذي كان يشعر بها جميع أفراد المجتمع.

 

كان الخليفة يهتم ببناء المناطق الذي يفتحها حضاريا في الوقت الذي كانت أوروبا غارقة في جهلها، فكانت الكنيسة تحرق وتكفر من يخالفها في مغالطاتها العلمية. أصدر الخليفة قانونا بمنع اليهود من سكن فلسطين، قطعا لا يريد لك من باع فلسطين أتعرف هذا عنه.

 

لم يكن القانوني يملك وقتا كافيا ليجلس مع النساء في قصره منشغلا بكيدهن وإنما كان مشغولا بالتربية والجهاد. أخيرا ما كتب عن الخليفة كذبا كان من أعدائه الأوربيين ثم ترجم بعد ذلك فلنقرأ عنه من كتبنا وليس من كتب أعدائنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.