شعار قسم مدونات

وجه الأضواء المظلم..

blogs - Girls - Shekara

انطلقت منذ أيام فعاليات مهرجان السينما في البلاد.. وازدحمت المدينة بالناس، الملصقات، والشعارات.. اضطراب في المرور، كثرة رجال الامن، التفقدات والاحتياطات.. فأصبحت المدينة ملكا لغير سكانها..

لكنني لن أتحدث عن المهرجان.. فيكفيه الحجم الإعلامي الذي يمنح له في كل دورة.. تكفيه المنابر الإعلامية وصفحات الجرائد التي تقوم بتغطية أحداثه في كل الدول وبكل اللغات.. سأتحدث عن امرأة تمر بمحاذاة هذه البلبلة.. تشاهد في صمت.

هي بائعة مناديل ورقية، لمحتها تقف قبالة مدخل قصر المؤتمرات.. تتأمل بعمق.. تنظر لكمية الضوء المنبعثة من الساحة، تحاول عد المصابيح مرارا لكن كثرتها تربكها في كل مرة.. تتبع مشية الممثلات وهن يستعرضن لباسهن.. تقلد طريقة حديثهن عن المُزيِّن، المصممة، آخر أعمالهن وآخر الدول التي زارهن.. تحاول نسج جملها الخاصة، لكنها ترتطم بالواقع: هي لم تتزين منذ ليلة زفافها.. ولم ترى مثل هذا اللباس إلا على نافذة المحلات التي تجلس عند بابها مهرقة.. ولم تغادر يوما مدينتها الا مرة وكانت من اجل العلاج..

ينتهي المهرجان.. تغادر الممثلات.. يُطوى البساط.. تنطفئ الأضواء.. ينتهي كل شيء.. ولا يبقى إلا عبء المسؤولية على عاتقها.. هي بائعة المناديل الورقية..

تنزل دمعة على خديها المحمرين بسبب قساوة البرد عندما لا تجد ما تطلق عليه "آخر أعمالها"، فهي لا ترتب مهامها، وتعلم جيدا أنها لن تنتهي، وآخرها سيكون قبل ضَمِّ التراب لها.. تشعر بغصة وهي ترى أن الأخريات تتباهين من لا شيء.. فهي تتحمل مسؤولية والديها وأبنائها الأربعة، رغم صغر سنها..

آخر همها تطريزات الفساتين، موعدها مع المصفف لأن شعرة ابيض لونها، عطر تساوي رشة منه شاحنة من المناديل.. تبتسم بحرقة.. تتساءل.. ما فرقها عن هؤلاء النساء؟ إذا كان ما تعشنه "حياة" فماذا يطلق على ما تعيشه هي؟

تنتقل للشارع المقابل.. تمارس مهنتها كأن شيئا لم يحدث.. تخبئ أسئلتها لخلوتها.  تدخل بيتها لتُزيح عنها بعْضاً من التَّعَب، يلمحُها اينُها فيبتسمُ ببراءة، ترُدُّ بمثْلِها دون ان تشعر.. ليأخُذها تفكيرها بعيدا لحدود تتجاوز مساحة بيتِها التي ربما تعادل مساحة سيارة من تَركَتهم هناك على السجادة الحمراء..

تسرح في ملامح ابنها.. في ملابسه التي اهترأت لكثرة الاستعمال، ثم تُردِّد في نفسها أنه لا يملك غير لباسين.، واحد يرتديه والآخر مرمي على زجاج النافدة عله يجف رغم الصقيع والمطر..

تتخيل أبناء تلك النسوة، ربما واحد منهم فقط يملك مجموع حظ اسرتها برمتها.. ينام ويستيقظ على فراش من حرير او غيره من الأثواب الفاخرة؛ أما هي فتعلم جيدا ان كفها لم ولن يستشعر ملمس تلك الأثواب في حياتها..؛ يتناول وجباته على طاولات من رخام، بها من الأطعمة ما يكفيها لأشهر..

تضحك باستهزاء وهي تتذكر أنها تطعم طفلها خبزا رش داخله بالسكر، وحليبا ليس به حليب؛ فهي تمزجه بالماء لتكثر كميته ؛.يأخذها تفكيرها بعيدا جدا، تدرك أن الحظ وملاعق الذهب قد رافقت هذه الفئة من الناس في أرحام أمهاتهم، في حين أنها لم تعرف من جوانب الحياة إلا التعيس منها..

ينتهي المهرجان.. تغادر الممثلات.. يُطوى البساط.. تنطفئ الأضواء.. ينتهي كل شيء.. ولا يبقى إلا عبء المسؤولية على عاتقها.. هي بائعة المناديل الورقية ..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.