شعار قسم مدونات

ابتسم

blogs- ابتسم
إن النفوس الرّاقية هي تلك التي تحلق في سماء ذاتها الحقيقي لا تتكلف المواقف ولا الردود تعلم أنها ليست الوحيدة في هذا الكون فلا تتكبر وتدرك أنها من أعظم خلق الله فلا تخضع ولها من العزة ما لها، إنّ الله لما خلق الخلق جعلهم شعوبا وقبائل "لتعارفوا" ليست معرفة فارغة خالية من معانيها وإنما معرفة حقيقة تفيد غيرها وتقف معهم في الأزمات "فخير الناس أنفعهم" إنها جِبلَّة النفس السليمة التي ما انتكست فطرتها في زمن النكسات.
 

الَّسلام وإطعام الفقراء وإحسان الظن والصدقات والزكاة كل ذلك وأكثر لو تأملته علمت أن إسعاد الآخرين عبادة، لو ابتسمت بوجه طفل بريء -وجرب ذلك- تجده وبصورة عفويه يرد عليك بابتسامة أجمل! إنها الأنفس الجميلة يا سادة! إنّ ترجمة الأحوال السيئة التي تمر بنا وضغوط يومنا إلى "كشرة" تتخذ من وجوهنا مستقرا لها لهو أعظم الظلم لأنفسنا. وجهك المبتسم نعمة للناس قبل أن تكون لك فلا تحرمهم منها حنى لو تكلفتها وجاهدت نفسك عليها وتذكر "تبسمك في وجه أخيك صدقة" يقول عطاء بن أبي رباح "إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد" يخاف جرح مشاعره.. نفوس عظيمة بحق.
 

من تواضع ابتسم، ومن تكبَّر رفع أنفه إلى ما بين عينيه فاستحالت عليه الابتسامة إلا أن يكسر أنفه.

اتصل عليه أحد الإخوة يهنئه بنجاحه "بالتوجيهي" وينصحه بتخصص معين وهو لا يفقه في هذه الأمور شيئا فجلس وأنصت.. فسأله من حوله لماذا كل هذا الوقت فقال بابتسامة جميلة: هو سعيد بذلك! إنه فن إسعاد الخلق يا كرام.. "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" والله اشترى منك نفسك فقال "إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم" ومشاعرنا جزء من هذا العقد والله أمرنا بإسعاد الناس، فلا تكن غاشا!
 

إحسان إلى الناس وسعادة في القلب وجنة في الآخرة.. من مثلك أيها المؤمن؟! من مثلك؟! تذكرت موقفا للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد قصة الطائف وكيف أنهم آذوه.. وبعد هذا كله وفي شدة التعب يكلم خادما لبستان "عداس" ويتفاعل معه "بلد نبي الله يونس؟!" لو تخيلت الموقف بمشاعره.. ستعرف ما أقصده تماما وتعرف حقيقة التكلف المحمود.
 

نشر قبل مدة أحد الدعاة مقالا يتكلم فيه عن أخلاق بعض من الشعوب الغربية استوقفني هذا الجز من المقال يقول "سألنا أحد المارّة عن الطريق فأخرج خريطة من سيارته ونزل من سيارته ووقف عند سيارتنا ودلنا على الطريق" هذا فقط! لو تأملت الجهد الذي قام به هذا الرجل ليس جهدا يذكر لكنما اللباقة والادب وتقدير الآخرين كان لها الأثر العميق في نفس هذا الداعية. إنه الفكر والمنهج أو قل إن شئت هي "الحضارة".
 

غيرك يقاتل فيبذل ماله بل حتى نفسه، وغيرك يعرق جبينه ليطعم فقيرا أو يبني مسجدا أو يكفل يتيما وأنت؟ أنت تبخل بابتسامة تجدد بها نشاط من حولك! الهيبة والمروءة والجدية مصطلحات ظلمت بحق! كأن بها تقول من هذا الذي يفتري علينا؟ إنه فكر معوج حقا "إِنَّكُمْ لا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ" وأي خلق أعظم من خلق "إدخال السعادة"؟!
 

طلبت من أطفال في مركز للقرآن رسم أعز شخص على قلوبهم.. كله كان متوقعا "أب، أخ أم شيخ" لكن أحدهم رسم شخصا بيه "عكازا" وكتب تحته "أبو العبد" سألته من هذا؟ قال: هذا رجل عجوز كل ما أشوفه يبتسم ويقول لي "كيفك يا صاحبي؟ "! الابتسامة زرعت في هذا الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة حت أصبح صاحبها أعز إنسان! من تواضع ابتسم ومن تكبر رفع أنفه إلى ما بين عينيه فاستحالت عليه الابتسامة إلا أن يكسر أنفه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.