شعار قسم مدونات

حلب.. لا شرقية ولا غربية

A Syrian national flag flutters near a general view of eastern Aleppo after Syrian government soldiers took control of al-Sakhour neigbourhood in Aleppo, Syria in this handout picture provided by SANA on November 28, 2016. SANA/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. EDITORIAL USE ONLY. REUTERS IS UNABLE TO INDEPENDENTLY VERIFY THIS IMAGE.

لعب نظام الأسد ومنذ بدء الثورة على وتر الطائفية ليظهر نفسه حامي الأقليات المسيحية منها والعلوية والدرزية.. وغيرها. في بداية الثورة كان يخرج المسيحي والعلوي وغيرهم من أمام المسجد يهتف "الله أكبر" معلناً بدء المظاهرة وإلى جانبه صديق له "سنّي"، الكل كان يهتف بحنجرة واحدة وشعار واحد ضدّ الظلم والبغي الأسديّ في لحمةٍ ظهرت واضحة وفي نسيج ثوري بديع باختلافه الطائفي ووحدته الوطنية.

هذا النسيج المتماسك أغاظ الأسد وأعوانه فأراد أن يفرّق هذا الجمع ويقضّ هذا النسيج، فعمل عبر وسائل إعلامه على تشويه صورة الثورة والثوار على الرغم من أن هؤلاء الثوار "السنّة" هم نفسهم الذين عاشوا عقودا مع إخوانهم المسيحيين والعلويين والدروز دون أن تنشب بينهم حرب أهليّة أو طائفية، عبر أذرع المخابرات الممتدة في كل مكان بدأت عملية نقض النسيج الاجتماعيّ السوريّ. تفجير في حيٍّ ذي أغلبية مسيحية وتفجير آخر في قرىً علوية والمتهم الرئيسي -حسب إعلام النظام- مجموعات إرهابية مسلّحة تحاول زعزعة الاستقرار والتعايش السلمي بين الطوائف السوريّة.
 

المدرك لمخططات النظام يعلم أن الهدف الأول هو بث الفرقة بين أطياف المجتمع السوريّ وجرّ الثوار بطريقةٍ أو بأخرى لاعتبار أنّ كل من سكن في مناطق النظام هو تابعٌ له راضٍ بما يصنعه

لم يكتف النظام بذلك بل بدأ وعبر شبيحته حملةً لتجنيد الطائفة العلوية وربط مصيرها بمصيره، وبث فكرةٍ بينهم مفادها "أن الثوار لو استلموا الحكم في البلد فسيمحون كل أثر لتلك الطائفة". ومع الضخ المكثف للإعلام وحجب وسائل الإعلام الحرة والمستقلة وكون مشاهدة قنوات الإعلام الحر جرماً يعاقب عليه القانون كان مصدر المعلومات الوحيد هو قنوات النظام والقنوات الرديفة ومعها بدأت تظهر أولى علامات الشرخ المجتمعيّ، فسُخّرت طوائفٌ طوعاً وكرهاً لخدمة نظام الأسد.
 

بعد أن تمت المهمة الأولى كان لا بد من تقسيم أبناء الطائفة الواحدة أيضاً، فكان التجنيد الإجباري في المدن الكبرى ذات الغالبية السنية كحلب ودمشق وحماة وزج أولئك المقاتلين في الصفوف الأولى أمام الثوار، ومن ثم بدأت مرحلةٌ جديدة ظهر فيها شبيحة النظام بوجه جديد، الوجه الذي لم يألفه أو يعتده المجتمع السوري المحافظ فكانت حفلات الرقص والغناء والمجون التي ينقلها إعلام النظام مظهراً وعبر فئة بسيطة من الشبيحة أنّ شرخاً قد حصل بين الثوار في المناطق المحررة وأهلهم الذين لا زالوا في مناطق سيطرة النظام.
 

فمع حملة القصف العنيف التي كانت تتعرض لها حلب بجميع أنواع الأسلحة والصواريخ المحللة والمحرمة دوليّاً كانت هناك حملات أخرى في مناطق سيطرة النظام حملات من الرقص والغناء تعبيراً عن الفرح بانتصارات الجيش الروسي وما تبقى من الجيش السوري، وبدأت القنوات الإعلامية العربية منها والعالمية بنشر المفارقات بين مناظر الدماء التي تملأ حلب المحررة وبين مناظر السفور والحفلات المجانة التي فشت في مناطق النظام.
 

كل هذا أدى إلى موجة سخط كبيرة بين الثوار فكيف يرقص أهلهم على أصوات الصواريخ والقنابل التي تنزل على رؤوسهم؟ المدرك لمخططات النظام يعلم أن الهدف الأول من هكذا احتفالات هو بث الفرقة بين أطياف النسيج المجتمعيّ السوريّ وجرّ الثوار بطريقةٍ أو بأخرى لاعتبار أنّ كل من سكن في مناطق النظام هو تابعٌ له راضٍ بما يصنعه، إلا أنّ الوعي الذي تكوّن خلال سنوات الثورة الخمس الماضية جعل هذه الخطوة صعبة المنال ففي كل مرة يحاول النظام الشطط في محاولاته بثّ الفرقة بين أطياف النسيج السوري يصطدم بوعيٍ تجذّر في نفوس الثوار.

وليخرج في كل مرة قائد في الجيش الحر والفصائل العسكرية مؤكداً أن الثورة هي لتخليص الشعب وأن أبناء حلب المحتلة إنما هم أهلنا وواجب علينا حمايتهم والسعي لتأمينهم وليؤكد أن حلب واحدة، وإن حاول النظام تقسيم أبنائها وأنها حلب عاصمة الثقافة الإسلامية، حلب واحدة بأهلها من أي طائفة كانوا وفي أي مكان سكنوا..  فحلب واحدة لا شرقية ولا غربية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.