شعار قسم مدونات

الصحراء.. الجرف المتصدع وخيوط البلية

مدونة- صحراءالطوارق

من رحم أوجاع الغناء وترويض اللحون ومعاندة الأشعار، صدح أبريبون في مطلع رائعتة الجديدة "الصحراء أصبحت جرفا متصدعا" إذ يروي الشهيد على قيد الحياة إبراهيم أغ الحبيب من خلالها سيرة الواقع المرير الذي تعيشه الصحراء الكبرى.

ولم أجد بُدا في صدد حديثي بتفصيل عن هذا الواقع، سوى أن أجثو بركبي كعابر انقطع عن قافلة المعنى، لأتتلمذ من روح هذا الفنان الأمازيغي الأزوادي وفرقته التي جعلت من اسم صحارى "تيناريوين" اسما ومسمى على رسالتها الفنية التي جابت وتجوب بها أنحاء العالم.

يقول رسول الصحراء إبراهيم الكوني "وجع نبيل ذلك الوجع الذي ندفعه ثمنا للغناء!" وأتساءل كيف إذا كانت الصحراء والحرية والوطن هي الأوجاع التي نغني من أجلها، ليضيف الكوني "نحن نتوجّع في كلّ الأحوال"!

الصحراء تينيري أو صحاري تيناروين في مخيال الطوارق، عميقة في دلالاتها عمق المكان الصّحراوي

ومنه احتفي بموسيقى الطوارق، بآن موسيقى اللثام لا تعني سوى انتظام الوجع في صدر السامع!
لتصدق مقولة أخرى للكوني أن " كلّ شيء في الصحراء مجبول بتعوذة اسمها الغناء" ليصح أن: الغناء هو لسان الواقع!

فما هو واقع الصحراء الكبرى؟
أعتقد أن الجواب على هذا السؤال بالنسبة للأطر البحثية والعلمية يحتاج إلى بحث جاد معمق وشامل، وهو ما تفتقر له الدراسات حول الصحراء الكبرى، وقد اشرت لذلك فيما سبق من المقالات.

لذلك جعلت مدخلي للإجابة على هذا السؤال من خلال النظرة التي تنقلها كلمات سليل الصحراء في الأغنية التي أشرت لها، فإنها تصور واقع صحارى بـ"الزمان المرير". ومن خلال الصورة التي رافقت الأغنية على اليوتيوب "فإنه زمان تترافق فيه سفينة الصحراء – الناقة -الحاملة للوصايا والأسرار والرموز القريبة من وجدان انسان الصحراء. مع السفينة المستحدثة لعبور الصحراء – مركبة كات كات – كما يعبر عنها في عامية المنطقة ".

إنها رمزية مهمة في واقع الصحراء الكبرى وهو "زمان تداخل أو تزاوج الماضي مع الحداثة أو العصرنة" ومن هناك يبحث الانسان عن اسباب لنشوء الصراع. والنتيجة المباشرة التي أخلص بها من هذا المشهد، أن نشاط الانسان في الصحراء واستمرارية وجوده تحتم عليه الصراع.

فيا ترى ما هي طبيعة هذا الصراع  الذي جعل من الصحراء جرفا متصدعا؟ يضعه أغ الحبيب في إطار "تتصارع الفيلة و تسحق الغزلان" وهو العنوان الأهم لهذا الواقع المرير وهو محور الكتابة لاحقا.

وقبل الشروع في هذا الاطار فمن المستلطف الوقوف عنذ مفردة "الصحراء" تينيري التي هي مبتدأ كل حديث الطوارق و الخبر فيها وعنها لتتجاوز المكان الجغرافي.

إن الصحراء تينيري أو صحاري تيناروين في مخيال الطوارق، عميقة في دلالاتها عمق المكان الصّحراوي، وهذا يتراءى من روايات الأديب إبراهيم الكوني التي اختزلت امتدادات الصحراء بين ثنايها. وهذا مبحث يستحق الافاضة والوفود إليه من هواة الفكر والأدب والثقافة.

وفي أغنية اللثام وهمهماتها فتجلو الصحراء في لسانهم كمرتكز للمتكلم والمخُاطَب والحاضر والغائب، فالصحراء تتكلم وتتساءل وتعد وتمني، إنها تسمع وتجيب وتحن وتأن ..وهذا جعلها الحاضر الأبرز في وجدان أبنائها.

أما المكان الجغرافي للصحراء الكبرى، فهو المستباح للغزاة والمحتلين والطغاة، إنها مسرح العمليات الانتقامية وفضاء التجارب النووية، التي جعلت منها كابوس وبلية، فمن ما وراء البحار حبك جنرال فرنسا خيوط البلية لتصبح "مكان جغرافي بلا سيادة"!

إن مسألة السيادة تفتح الآفاق لربط المكان الجغرافي "الصحراء" بساكينه، ونخلص إلى أنه في المجمل لم يعرف مجموع قبائل الطوارق أن يكونوا في ظل سيادة دولة واحدة رغم كل ما ينشدونه، حيث تقاسمت أراضيهم ومر عليهم العديد من الدول والممالك، وكانوا في ظل كل ذلك يعيشون وفق سيادة خاصة بهم، وهو ما انتهكته خيوط البلية التي نزعت عن سلالة الصحراء الكبرى سيادتها، وجعلتها مسألة شائكة وعالقة تتمثل في ظهور دول الاستقلال أو ما يسمى الدولة الوطنية.

رغم أنه فيما يتعلق بالتشارك في السيادة فقد انقسمت مجتمعات الطوارق فئتين: فئة قبلية أكثر مما ينبغي متشبثين بسيادتهم الخاصة بهم وفئة أممية أكثر مما ينبغي "سواء الأممية الإسلامية أو العربية أو الأمازيغية وحتى الزنجية".

الوطن الأم -الصحراء – الذي تحمله صدور النساء.. أصبحت جرفا متصدعا بعد أن ضاقت ببلدان وحكومات من خيالات فرنسا !

هذا الانقسام هو ما أفقدهم أي دور في فرض سيادة قابلة لتجاوز محيطها المحلي أو متفاعلة كما ينبغي مع مستجدات التغييرات الجيوستراتيجية التي مرت بها المنطقة وهو ما ينعكس على واقعهم اليوم.

أما السيادة المحلية التي تمتعت بها مجتمعات الطوارق فيمكن فهمها وفق توزيعهم الجغرافي في موطنهم بالصحراء الكبرى أو صحارى ماقبل جغرافية فرنسا، حيث تلخص معظم الشواهد تقسيمات السيادة في أشد فتراتها إزدهارا كالتالي :

– أدغاغ Adagh، ويعني الجبل وحرّف إلى أدرار Adrar
– آهقار Ahaggar، ويعني أحد أسماء قرني الثور اشارة الى سلسلة جبال اهقار
– آير Ayr، ويعني الارض البيضاء اشارة إلى الصحراء الواسعة التي تتلألأ رمالها
– آزجر Ajjar، ويعني مجرى السيل اشارة الى واحاتها وجبالها

وهي التي خلدها الطوارق في تاكزا – Takza التي تضم خمس أشكال مرتفعة إشارة إلى مرتفعات مواطنهم الخمسة في الصحراء الكبرى، وابتدعها أهل الصنعة لترتديها النساء على صدورها كرمز للوطن الأم .

الوطن الأم -الصحراء – الذي تحمله صدور النساء.. أصبحت جرفا متصدعا بعد أن ضاقت ببلدان وحكومات من خيالات فرنسا !

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.