شعار قسم مدونات

يا عرب.. أين المفر من مشرط ترامب!

U.S. President-elect Donald Trump and his running mate Mike Pence address their election night rally in Manhattan, New York, U.S., November 9, 2016. REUTERS/Mike Segar

الفارق الانتخابي الضئيل بين ترامب وهيلاري جاء تحديده من قبل، واتسعت الرؤية مداها، بعد وضوح الصورة الكاملة للفائز بالرئاسة الأمريكية مع نهاية اليوم الثامن من نوفمبر، ذلك التاريخ الذي أعاد إحياء الإرث الأمريكي، فكانت هي الليلة الصاخبة من ليالي الأرض، كونها جاءت صادمة للعالم في نتائجها النهائية.

ولأن من انتزع الفوز هو من كان يخشاه الشرق والغرب لما تحمله شخصيته المضطربة، وأفكاره المجنونة من عواقب سوف تؤثر على مسيرة السلم والسلام في العالم، إذا لم يكبح القانون الأمريكي جماحه، أتى ترجيح الكفة لصالح ترامب متأخرا ليرفع صوت اليمين المتطرف فوق صوت الاعتدال المنافس، ويعتلي دونالد ترامب سدة الرئاسة الأمريكية محققا اللقب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية..
 

الشعور العام العربي لا يفرق بين ما سيفعله "الكابوس" ترامب أو "الشمطاء" هيلاري، فكلاهما على نهج سلفهما "الكاوبوي" بوش، وما أحدثه من دمار سوف يتكرر بدون شك في موقع آخر

لقد رَاهَنَت كلينتون في حملتها الانتخابية على صوت النساء الأمريكيات فخابت، فَرَاهَنَ ترامب على ما تبقى من أنصاره العنصريين فأنقذه من تهاوي المعبد على رأسه، أتت الكلمة من الناخب الأمريكي حاسمة مع سطوع شمس العرب التي تكتسي أرضهم لون الدم، ليضيف هذا الواقع الجديد حالة من الشؤم لما ستحمله الأيام القادمة من مفاجآت، ولكنها تلك النتائج ستعكس حقيقة المزاج العام للشعب الأمريكي في التغيير، وتعزز التوجه السياسي الأمريكي المتجدد في أدواته التي لن تخلو من استخدام المشرط الجراحي لتثبيت ألوان الرسم التشكيلي المراد للشرق الأوسط دون أن يكون هناك أي تدخل مباشر، أو شبهة جنائية.

فالتبعية ستتضاعف أعباءها على العملاء في المنطقة العربية، وستزداد الضغوط على الشعوب العربية، وعصرها مرارا وتكرار حتى يتمدد منها الإرهاب على امتداد الرقعة الجغرافية للخارطة العربية، وتأخذ بعد ذلك حزمة الإصلاحات الاقتصادية مسارها بما يخدم النفوذ اليهودي المالي، في مقابل زيادة الخنادق، والأوجاع، والمعاناة داخل المجتمع العربي..
 

وبالرجوع لأجواء السباق الرئاسي، فمنذ البداية، كانت الجولة الانتخابية لكلا المرشحين متشنجة في أغلب محطاتها، كل منهما كانت له طريقته الخاصة في استمالة الناخب الأمريكي، وكان التحدي كبيرا جدا، لم تختفي فيه عبارات الكره، ولا الاتهامات المتبادلة، لتتكشف المزيد من الفضائح السياسية، فيما كان الوطن العربي قد أرعد الخوف أقلامه الليبرالية من صراحة ترامب المفرطة، وعدائية لكل ما هو غير أبيض..

وكذلك آراءه عن المستقبل والحريات فتوقف المحللون من القراءة مجريات الانتخابات، واعترت الظنون السوداء عقول الكتّاب الليبراليون، من مساوي الفكر السياسي لترامب التي سوف تشوه الوجه الجميل لأمريكا -وهو ما يقلقهم- لتسبق مقالاتهم الهجوم على ترامب والسخط منه..
 

وأطلقت الأوصاف النكراء على شخصه، وكأن السفينة لا زالت تطفو بهم فوق الماء، وأن أمل النجاة معقود بتحقيق الحلم الذي سيغتاله ترامب إن فاز في السباق الرئاسي، هكذا كان إحساسهم، وتوجسهم في الأيام الماضية من الانتخابات، وكما هي العادة في كل مره جاء رهانهم على الجواد الخاسر الذي كان في المرشحة الديمقراطية هيلاري، لكن الشعور العام الشعبوي العربي لم يطرأ عليه أي تغيير، فهو لا يفرق بين ما سيفعله "الكابوس" ترامب أو "الشمطاء" هيلاري، فكلاهما على نهج سلفهما "الكاوبوي" بوش، وما أحدثه من دمار في أرض أفغانستان والعراق، سوف يتكرر مشهده بدون شك في موقع آخر، ولن يتراجعا كلاهما عن إكمال ما انتهى إليه أوباما من بسط المشروع الصهيوني على أرض الشام، وبقية البلاد العربية..
 

لقد اعتدنا نحن العرب من قبل أن نحتفل بهذا الإرث الأمريكي كنوع من ثقافة الربط بكل ما هو إمبريالي، نستبق فيه بالأماني إرهاصات الانتخابات الرئاسية، كما نسارع بالإفصاح عن المرشح الأقرب إلينا، ظنا منا أنه سيرفع سقف المطالب العربية فوق المصالح الأمريكية، الوضع الحالي أخطر من ذي قبل، لا يحتمل التعويل على كلمة"لا" أو "نعم" فالعرب قد فطنوا السياسة الأمريكية، وأصبحوا يدركون أنهم في مرمى الأسوأ، حتى وإن تجاوزت قناعاتهم بقبول أقل الضرر..
 

سيستمر اختفاء الصوت الحر داخل المجتمع الأمريكي طالما بقى صوت أزيز الرصاص والتصفيات العرقية للعربي السني على أرضه العربية، فاستمرار الخوف في الشرق وتمكينه، هدف قومي

لأن الحقيقة المرة أن نفق التغيير القصري المظلم يضيق بكل فرص الاختيار أو اتخاذ القرار، خاصة إذا كان ذلك التغيير يمس مصادر الشريعة الإسلامية، والثقافة الاجتماعية لدى العرب، فعمق الخلاف سوف يتسع، ويتزايد مع جميع الأطياف السياسية في الإدارة الأمريكية، وأيا يكن ميول العرب، فلن يكون لدى كلا من المرشحين أي حلول لقضايا الشرق الأوسط الشائكة، والمتشابكة بفعل أدوار الجهاز الأمني القومي الأمريكي في المنطقة.

وإذا كانت ابتسامة هيلاري في عيون العرب تعني الأمل، فهو ليس سوى سرابا وليس انفراجا، ونظنها كذلك، فلا مجال إذا للمراهنة عليها أو على أي مرشح ديمقراطي آخر، لان أجندتهما السياسية ستكون مثقلة بتوصيات اليمين المتطرف الديني، واللوبي اليهودي، وتشديدهما المستمر على مواصلة تطبيق سياسة العصا والجزرة تجاه كل ما هو عربي وسني..
 

للأسف، سوف تتجاوب الأنظمة العربية صاغرة مع كل المعطيات الجديدة، التي ستفرضها وقائع الأحوال الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة الأمريكية، وليس من خلال فكر ورؤى ترامب الكارثية، أو كما يسرد دعاة "الليبرتارية" في كل شاردة ووارده صور خيال الغرب للحريات المدنية، وسيستمر اختفاء الصوت الحر داخل المجتمع الأمريكي طالما بقى صوت أزيز الرصاص والتصفيات العرقية للعربي السني على أرضه العربية، فاستمرار الخوف في الشرق وتمكينه، هدف قومي يتفق عليه السياسي والقسيس في آن معا، ولا علاقة له بالمخاوف من انتقال الإرهاب المفتعل في الوطن العربي إلى داخل المدن الأمريكية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.