شعار قسم مدونات

مضى زمن الثورة يا أحفاد خديجة

ثورة الشباب

الثورة ضد الظلم والاستبداد قيمة إنسانية لا يتنكر لها حُر.. ولكن حالها حال كل القيم الإنسانية الأخرى تحتاج إلى آلية مناسبة و أوقات مناسبة.

فلا يمكن لنا أن نثور بنفس الآلية المُتبعة في القرون الماضية، كل شيء تغيير ولابد لنا ان نتغير في ثورتنا، وكما قال رسول الله صلى الله لزوجته خديجة وهي تطلب منه أن يرتاح قليلا "  مضى زمن النوم يا خديجة" لأن المرحلة تتطلب هِمة أكبر، واليوم نقول مضى زمن الثورة يا أحفاد خديجة.

فلسنا في القرن الثامن عشر كي نثور مثل الثورة الفرنسية، ولسنا في القرن العشرين كي نثور ثورات الوطن العربي ضد الاستعمار. العصر يختلف ونحتاج آلية تختلف.

نعم نثور ضد الاستبداد لكن بمعطيات عصرنا نحن لجني الثمرات المأمولة، فلا يمكن لنا أن نستنسخ تجارب القرون الماضية ونلصقها على واقعنا، ستكون النتيجة مشوهة حتما كما هو حاصل الآن.

في ظل تطور الوسائل وتطور أجهزة المخابرات التي لن تفوت فرصة كهذه لاستغلالها في تحقيق أهدافها، فالفوضى هي البيئة المناسبة لتحقيق سيطرتها على المنطقة الثائرة لتنفذ فيها أجندتها، وكما أن الأمر يتطلب آلية مناسبة.. فالأمر يتطلب أيضا توقيت مناسب لإحداث التغيير المأمول.

العلم والفكر  والتوعية والإعلام في ظروف السلم كفيل بتوفير شروط حصول التغيير، ولن تحقق إنجازا وهي في ظرف حرب وضغوط

الربيع العربي هو الفكرة الصح في الوقت الخطأ، وأراد الشعب تغيير يليق بمرحلة نضجه أو صحوته لكن من المحال أن يحدث تغيير كبير بطريقة سحرية، ولا يمكن أن يكون التخلف يعم البلاد قبل الثورة ثم يصبح شعب هكذا بسرعة متحضر بعد الثورة.

هذه الحلول السحرية لا تمت للواقع بصلة وهذه الوجبات السريعة لن تكون نافعة، ولن تفرز لنا نتائج صحية، ولن تزيد هذه الشعوب إلا المزيد من التخلف والسقوط واستغلال دول إقليمية وعالمية لهذه الفوضى.

يجب أن تكون الثورة بآلية مناسبة، ووقت مناسب نعلن فيه أحقية التغيير.. فالمظاهرات والمقاومة لم تعد تجدي، لابد من تغيير جذري يجعل الشعب متحضرا، مستعد لاستقبال عهد جديد يلائم تحضره.

والعلم والفكر والتوعية والإعلام في ظروف السلم كفيل بتوفير شروط حصول التغيير، ولن تحقق إنجاز وهي في ظرف حرب وضغوط، لا ننسى أن صلح الحديبية سُمي بالفتح لأن أجواء السلم بيئة صالحة لتمكين القيم، وهذا ما حصل فعلا.

علينا أولا أن نعمل على هذه الجذور و نعتني بها وتغيير الإنسان الذي يكون هذا الشعب، لابد لنا من شتاء قارص بالتحديات فيه سبات من الحروب والضغوط ومليء بالغيث الذي يغذي بذور مدفونة في التراب، لا يراها أحد ولا تحدث فوضى، لابد من وقت طويل من الاعتناء والصبر والنظر البعيد،  فلا ننظر إلى التراب فينفذ صبرنا بل ننظر إلى ما في قلبه.. النبتة الموعودة التي زرعناها بأيدينا.

وبعدها يأتي الوقت المناسب لنعلن قدوم الربيع الذي يحق لنا أن نحتفل بازدهاره وجذوره الثابتة ونباته المثمر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.