شعار قسم مدونات

قصة الموصل الحديثة

الموصل

تبدأ قصتنا بالحرب الأمريكية على العراق حيث كانت الموصل خائفة ومترقبة أمام مستقبل مبهم، وكان التوجه العام هو الشك والتخوف من الإمبريالية الأمريكية التي اتت للسيطرة على خيرات العراق في ظل شعارات البعث بالسقوط لأمريكا.

وكان هنالك حديث هامس عن أمل بالانفتاح والتطور وانتقال العراق ليكون كدول الخليج بعد موجات الحروب والحصار والمقاطعة دولية. بعد دخول الأمريكان في أول يوم شكلت حركة شعبية لحماية المؤسسات من السرقة والفوضى، وفيما بعد كانت الموصل تحت حكم بترا يوس قائد الفرقة 101 الأمركية.

دخلت داعش وفعلت ما لم يستطع الجيش الرسمي فعله وتشويه أهل السنة، وتنفيذ التغيير الديمغرافي وطرد الأقليات من المدينة، ونهب أموال الناس بكافة أطيافهم

وتصدر الأحداث والأخبار، بيع أسلحة العراق وإتلافها، وبدأ الكلام عن شكل حكومة العراق هل سيكون ملكي أم جمهوري، ووكيف سيكون الدستور وهل سيكون شكل الحكم فيدرالي -الذي كان يطالب به الشيعة والاكراد وكان السنة يرفضونه بشكل قاطع- وكان هذا أول المشاكل التي كان على السنة أن يقرروا فيها بلا قيادة واحدة، فهم عموما لم يتقبلوا ما يجري سياسيا وكانوا أقرب للإصغاء الى مطالبات هيئة علماء المسلمين بالمقاطعة لكل شيء سياسي في ذلك الوقت.

لم تمض فترة طويلة بعد سقوط العراق حتى بدأ القتل أولا بالطيارين وضباط الجيش ثم الذبح لمن يتعامل مع الأمريكان ومن يعمل معهم، ومن يبيعهم وبدأت التفجيرات وصرنا نرى في الموصل جثث مقطوعة الرأس في الشوارع وأحيانا تنفيذ عمليات إعدام أمام المارة.

كان هنالك احتقان قومي أيضا من تسلط الأكراد في الموصل، واتهامات تجري على الألسن عن محاولات أخذ أراضي وحقوق للموصل، وازداد ذلك الاحتقان بعد التأثير القوي للأكراد في حكم المحافظة التي سيطروا عليها بالأغلبية بسبب مقاطعة عرب الموصل عن الانتخابات في مقابل مشاركة غير العرب فيها.

بقيت الأحوال في الموصل تسوء حتى جاء عصر المالكي الذي شكل قيادات العمليات، وبدأ بحكم المدن بقيادات عسكرية ألغت الحكم المدني وحولته لشكل صوري لا يحرك ساكنا، وساءت الأوضاع أكثر بموجات الاعتقال للأبرياء، وسحب السلاح من البيوت وأخذ الإتاوات إضافة لازدياد قوة العصابات التي تهدد الناس وتخطف وتقتل، وتطلب الإتاوات على سيارات الحمل وتهريب النفط من العصابات.

وكان هنالك همس باتهام الجيش بالتعاون مع العصابات حيث يتم إخراج المتهمين ويغيب الأبرياء ويغيب الذين يبلغون عن تحركات إجرامية بالاغتيال، وأصبحت السيطرات والحواجز الكونكريتية في الشوارع لا تحتمل، وكأنها عقاب لأهل المدينة ووصلت الأمور لذروتها بخروج الناس في الحراك للتظاهر والمطالبة بالحقوق والحريات، وتنفيذ الدستور ، فعاقب المالكي السنة الذين لا يرضون بحكمه وإيران بالانسحاب وتسليم المدينة لداعش بعد إخراج الدواعش من السجون ودعمهم بالسلاح.

دخلت داعش وفعلت ما لم يستطع الجيش الرسمي فعله وتشويه أهل السنة، وتنفيذ التغيير الديمغرافي وطرد الأقليات من المدينة، ونهب أموال الناس بكافة أطيافهم وتكفيرهم ووصف السنة بالجاهلية، وفرض الأفغنة والرجعية على المدينة الأكثر تحضرا وثقافة وعلما، وإلغاء المدارس والجامعات والمعامل والتجارة، وإيقاف الحياة بكل أنواعها واشتغال النهب ومصادرات البيوت والعمارات والإعدامات بدعاوى الردة والعمالة والمعارضة للخلافة.

وأدى هذا لتهجير ونصف أهل الموصل من السنة وغيرهم وحبس النصف الآخر، وأُخرج ائمة الجوامع وأبدلوا بأشخاص تكفيريين من داعش، وبدأت تشاهد كل جنسيات العالم في الموصل من الشرق والغرب وازداد إذلال اهل الموصل والضغط عليهم داخل المدينة وخارجها وبات المصير مجهولا أكثر من السابق.

والآن وبعد سنتين ونصف الموصل على أبواب التحرير من يد داعش على يد الجيش العراقي والبشمركة بدعم من تحالف دولي من 60 دولة، وتطمينات من الحكومة الجديدة بمستقبل أفضل في ظل تنافس إيراني تركي إقليمي للتأثير وامتلاك الكلمة في الموصل بعد التحرير، مع العلم أن قوى أخرى مشاركة في العملية  كالحشد الشعبي والبككي الكردية من الجهة الغربية للموصل وسنجار، ومشاركة قوة من أهل الموصل مع الجيش العراقي يقودها النجيفي من شرق الموصل التي يقال إنها القوة التي ستمسك الموصل بعد داعش.

تم تهجير نصف أهل الموصل من السنة وغيرهم وحبس النصف الآخر، وأُخرج ائمة الجوامع وأبدلوا بأشخاص تكفيريين من داعش

بعد هذه المعارك التاريخية الفاصلة لتحرير الموصل، لن تكون الأحداث مؤثرة في الموصل فقط بل سيكون لها تأثير إقليمي يظهر من مستوى التنافس على المدينة ومستوى التنافس على امتلاك الكلمة فيها، ويجري الحديث عن خطط كثيرة للمستقبل وعدة سناريوهات لما بعد التحرير، وكيف سيؤثر ذلك على مستقبل الموصل وعلى مستقبل العراق بل على مستوى التنافس الإقليمي والدولي للتأثير في الشرق الأوسط.

هنالك خوف من موجات انتقام وظلم وعداوات وأحقاد مجتمعية، وفي احسن احوالها تحتاج لسنوات طويلة في العلاج، أو التوجه  لتقسيم الموصل لعدة مدن لضمان حل المشكلات الاجتماعية، وهنالك تخوف من بقاء التهديد الإرهابي واستغلاله الثغرات الأمنية ليضرب مرات أخرى. كما أن هنالك مخاوف من عدم وجود حل سياسي وبقاء الظلم والتخبط وعدم الاستقرار في الحكم وبقاء الثغرات بين السلطة التنفيذية والإدارية في المدينة .

نأمل أن تنتهي المشكلات وتبدأ الموصل مرحلة جديدة بالاستقرار السياسي والعمل على رفع مستوى التنمية والإصلاح والبناء والانتهاء من علل الماضي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.