شعار قسم مدونات

حروب نووية لم تقع.. الحرب الأولى 1962م!

blogs-حرب ننوية
28 أكتوبر/ تشرين الأول 1962م كان الحَدَس والتوتر هُما الحظّ والمنجى لهذا العالم من حرب نووية كادت أن تفتك بثلثي الكرة الأرضية، لحظة عقلانية بعيدة كُل البُعد عن العاطفة كانت هي الفارقة قبل أن يتم الضغط على الزر الأحمر المُدمّر.

تبدأ فصول الحكاية الأشد خطراً على العالم حينما اشتدّت الأحداث وتصاعدت وتيرتها وتعقيداتها بين الولايات المُتحدة والإتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة في سابقة عُرفت بأزمة الصواريخ الكوبية وكان يطلق عليها الروس مصطلح "أزمة الكاريبي" والتي بدأت مُجرياتها بعد أن اتخذ الرئيس السوفييتي نيكيتا خروتشوف قراراً بنشر صواريخ باليستية سوفييتية تحمل رؤوساً نووية في جزيرة كوبا الموالية للنظام السوفييتي وكان يرأسها آنذاك فيدل كاسترو.

لم يُعرف السبب الرئيسي لقرار خروتشوف بنشر منظومة الصواريخ الباليستية على أرض جزيرة كوبا واعتبره البعض تهوّراً أدى إلى تطورات في الأوضاع خلال الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي إلا أن وزير الدفاع السوفييتي المارشال يازوف الذي شارك في العملية السرية لنقل الصواريخ إلى كوبا قد صرح في لقاء تلفزيوني مع القناة الروسية حول السبب وقال "وكان الحديث أيضاً عن التهديدات إذ كانت الولايات المتحدة قد نشرت صواريخها (جوبيتر) المتوسطة المدى في إيطاليا على مسافة قريبة منا".

القيادة الأمريكية تنبهت للخطر السوفييتي الراكن على كوبا وتصاعدت الأمور بشكل أحدث توتراً كبيراً بين الطرفين، حتى أصبح خطراً نووياً وتهديداً كان يتجهز له كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المُتحدة

كان السوفييت قد فطنوا إلى التهديد الأمريكي ولم يغب عنهم الصواريخ التي تحمل الرؤوس النووية التي نشرتها في تركيا فقد كانت تلك الصواريخ كافية لتدمير المدن السوفييتية الكُبرى، فكان لا بُد من اتخاذ رد فعل يُظهر الجاهزية السوفيتية أمام أي خطر يواجههم، ولم يكن أمامهم سوى كوبا التي توالي نظامهم الاشتراكي فقاموا بنقل الكثير من المعدات العسكرية والحربية إلى جزيرة كوبا القريبة من شواطئ الولايات المُتحدة الأمريكية دون أن تعلم الأخيرة بما يحدث من ورائها لأن التنسيقات بين الدولتين قامت على أن ما يتم نقله هو معدات زراعية وخُبراء زراعيين لمساعدة كوبا في نشاطها الزراعي.

الظاهر هُنا أن السوفييت قد استطاعوا خداع الولايات المُتحدة ونقل الكتائب المُقاتلة والجنود والمدرعات والمعدات العسكرية عبر البحر بطرق سرية مؤمّنة ومموهة بشكل لا يكشفها للأقمار الصناعية واعتمدوا في ذلك على الظاهر السياحي للوافدين إلى جزيرة كوبا ووفود الخبراء الزراعيين لها وأيضاً المعدات القطبية للتدرب في الطقس المتجمد والبارد وتم ذلك من خلال حملة خداع عسكرية واسعة لتضليل الاستخبارات الغربية في عملية سُميت بعملية أنادي.

وبعد عدة تقارير ومُتابعة وصلت للقيادة الأمريكية تنبهت للخطر السوفييتي الراكن على كوبا وتصاعدت الأمور بشكل أحدث توتراً كبيراً بين الطرفين، وتواترت الأحداث حتى أصبح الخطر خطراً نووياً وتهديداً كان يتجهز له كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المُتحدة الأمريكية.

لست هُنا للحديث في السياسة أو في التجربة السوفييتية في نقل القوات والمدرعات والمعدات العسكرية والصواريخ الباليستية إلى كوبا ولكن الحديث عن تطور الأحداث ولحظة التفكر والتردد التي منعت وقوع حرب كادت أن تودي بالعالم نحو مجزرة نووية ومذبحة تُذهب الكثير من الضحايا المدنيين في العالم، لست مُحلّلاً ولا ناقداً للسياسة لكنني طرحت الحقيقة التي قرأت عنها وبحثت فيها حتى أكتب عن كوننا لم نكن لو تم القرع على ذلك الزناد الأحمر!

وبغض النظر عن الانتماء أو الدين أو العرق فبطل العالم هُنا هو الضابط ويليام باسيت هذا الضابط كان المسؤول في قاعدة الصواريخ الأمريكية السرية في جزيرة أوكيناوا اليابانية عن عمليات إطلاق الصواريخ النووية من القاعدة، وكانت حينها قد رفعت داخلها درجة الاستعداد القتالي إلى مستوى "DEFCON 2″، أي "حافة حرب نووية" وهنا كان لديه الصلاحية الكاملة لإطلاق الصواريخ من القاعدة، تلقى الضابط ويليام أوامراً تقضي بإطلاق أربعة صواريخ مجنحة من طراز "Mace B " مزودة بعبوات هيدروجينية بقوة 1.1 مكيغا طن، أي ما يعادل 70 مرة قوة القنبلتين اللتين القيتا على هيروشيما وناغازاكي، لك أن تتخيّل حجم الدمار الذي يتسبب فيه صاروخ واحد فقط!

ليست هُنا المٌشكلة الجمّة في مُقارنة القادم الذي سوف تقرؤه فكل صاروخ من هذه الصواريخ كان موجهاً نحو إحدى العواصم من الدول الكبرى في العالم، وهي العاصمة الصينية بكين و عاصمة كوريا الشمالية بيونغ يانغ و العاصمة الفيتنامية هانوي ومدينة فلاديفوستوك، أقصى شرق الاتحاد السوفيتي وروسيا الحالية، تخيّل لو تم ذلك ستكون حرباً عالمية نووية مدمرة وقد تكون بداية النهاية للعالم!

يبدو أن الضابط باسيت لم يطمئن لهذا الأمر ولعب حدسه في أعصابه كثيراً وتمالكه الخوف والتوتر وبدأ يشك في حقيقة الأوامر التي تلقاها، والأهم من ذلك هو أن هذا الضابط الأمريكي الذي وضعت الأقدار آنذاك مصير العالم بين يديه قد شك في أن يتضمن الأمر بالضربات النووية في مثل تلك الظروف لأن ثلاثة أهداف من أربعة كانت خارج الاتحاد السوفيتي الذي هو أحد أطراف النزاع أما البقية فلا شأن لهم، وعندما فكّر جلياً بالأمر وجد أن مستوى الاستعداد القتالي في القاعدة لم يرفع إلى درجة "DEFCON 1" أيضا وهو ما يعني "حربا نووية وشيكة" وهي المرحلة التي يتم فيها إطلاق الأوامر في بدء حرب نووية واستخدام أسلحة الدمار الشامل.

لحظة واحدة كانت الفارقة لسكان الأرض الذين كتب الله لهم أن يستيقظوا بعد أن وضعت حياتهم على المحك، لولا تردد ويليام باسيت أمام تنفيذ أمر القيادة الأمريكية بإطلاق الصواريخ النووية!

وكما ذكر موقع "Bulletin of the Atomic Scientists" أن جون بوردن الضابط في القوات الجوية الأمريكية كان يتواجد إلى جانب ويليام باسيت في تلك اللحظة الحاسمة لمصير سكان الأرض، وصرح إنه سمع باسيت يقول في اتصال هاتفي مع مركز إدارة الصواريخ إن الأمر المشفر الذي استلمه لم يكن واضحا، وقال "لم تتم زيادة المستوى إلى DEFCON1، وهذه حالة غير عادية للغاية، ويجب علينا مواصلة العمل بحذر.. قد يكون هذا "الأمر" واقعيا بالفعل، أو هو أكبر طفرة غير متوقعة نشهدها في حياتنا". (أنقلها من تقرير لقناة روسيا اليوم).

تلك اللحظة من التفكير والتوتر التي انتابت الجنود في القاعدة دفعت الضابط ويليام باسيت لتعيين جنديين لإطلاق النار على ضابط آخر كان يهُمّ بضغط الزر المخصص لإطلاق الصواريخ، وقتله في حال شروعه بذلك دون أمر مباشر منه.

وعندما قرر باسيت بإيقاف عملية الإطلاق والتحقق من مركز توجيه الصواريخ وإبلاغهم أن الأمر الذي تلقاه لم يكن واضحاً تلقى أمراً بإلغاء المهمة، واللافت فعلاً هُنا أن التاريخ الرسمي لنهاية أزمة الصواريخ في كوبا يصادف اليوم الذي تردد فيه باسيت بإتمام أمر إطلاق الصواريخ، في 28 أكتوبر/تشرين الأول 1962، بعد سويعات قليلة من اللحظات الحرجة في القاعدة الأمريكية في جزيرة أوكيناوا اليابانية.

تخيّل أن لحظة واحدة كانت الفارقة لسكان الأرض الذين كتب الله لهم أن يستيقظوا بعد أن وضعت حياتهم على المحك، لولا تردد ويليام باسيت أمام تنفيذ أمر القيادة الأمريكية بإطلاق الصواريخ النووية!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.