شعار قسم مدونات

لماذا أصر السيسي على تعويم الجنيه الآن؟

Egyptians line up to buy subsidized sugar from a government truck in Cairo, Egypt, 19 October 2016. Reports state Egypt is facing a shortage in sugar supplies, as shops have run out of the commodity and prices have doubled over the last few weeks. The government is providing subsidized sugar at six Egyptian pounds per kilogram (about 0.6 euros) through Ministry of Trade and Supply sales outlets, as price of unsubsidized sugar increased to over 10 pounds per kilogram.

ليس هناك من مطلع على الغيب حتى يؤكد حتمية اندلاع "ثورة الغلابة" في 11-11 أو ينفي وقوعها نفيا قاطعا، وليس لأحد أن يدعي علما ببواطن الأمور حتى يصر على أن "ثورة الغلابة" هي ثورة شعبية صادقة وانفجار طبيعي نتيجة لتدهور مستوى المعيشة وغلاء الأسعار، أو أنها مخطط مرسوم من قبل النظام "كما يشيع البعض"!

إلا أن أمور حدثت مؤخرا على الساحة المصرية تضطر الكثير إلى التساؤل عن سببها ودوافعها وعلة توقيتها! أهمها إصرار الحكومة المصرية على "تعويم الجنيه" ورفع أسعار الوقود في مطلع شهر نوفمبر الحالي، رغم يقينها بأن قرارات "كارثية" كهذه كفيلة بحد ذاته لغليان الشارع المصري وتأجيجه إلى حد الانفجار! 
 

وعندما تدهور الاقتصاد نتيجة لسياسته الفاشلة، اختار آخر الحلول وهو "تعويم الجنيه"، دون التدرج أو اتباع إجراءات ضرورية لتفادي الوصول إليه، معتبرا بأن أول العلاج "الكي" وليس آخره!

لا سيما وأن الشعب لم يكن قد استوعب بعد حزمة القرارات الاقتصادية "المريعة" التي أقرتها الحكومة مؤخرا، فهل اتخاذ مثل هذه القرارات في توقيت "حرج " كهذا، رغم علمها بالنداءات المهيبة بالشعب لاستنفاره، هي قرارات مقصودة بهدف استفزازه والدفع به بالقوة إلى المشاركة في ثورة 11-11؟ أم هي قرارات "غير محسوبة" من حكومة "غير مكترثة" تتعامل مع شعبها بمبدأ "حعمل ألي أنا عايزه وأعلى ما بخيلكم أركبوه"؟ أم هي حقا قرارات حتمية الصدور ولم يكن بالإمكان تأجيلها لضرورات الإصلاح الاقتصادي في أقصى وقت ممكن، لتفادي مزيدا من التدهور "كما يدعي النظام"؟
 

بادئ ذي بدأ، لا بد من التأكيد بأن "السيسي" ونظامه، مسؤول مسؤولية كاملة عن الوضع المزري الذي آل إليه الشارع المصري وما تبعه من غضب شعبي عارم، ولا يمكن تبرئة ساحته من أي تبعات سيئة قادمة، سواء أكانت في القريب العاجل أو البعيد الآجل، كونه المتسبب الأول والوحيد في وجود الأزمة الراهنة وإصراره على التعامل معها بعقلية "طالب محاسبة" في سنه أولى.
 

وعندما تدهور الاقتصاد أكثر نتيجة لسياسته الفاشلة، اختار آخر الحلول وأكثرها ضررا وهو "تعويم الجنيه"، دون التدرج أو اتباع إجراءات ضرورية لتفادي الوصول إليه، معتبرا بأن أول العلاج "الكي" وليس آخره! ففي مقابلة أجرته شبكة ال BBC العربية، صرح فيها "د. رشاد عبدو" رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، قائلا "إن هناك طريقين لتحرير سعر صرف الجنيه إحداهما التحرير والآخر الخفض التدريجي، لكن الحكومة اختارت التعويم".
 

بينما نفى "د. عمرو صالح" أستاذ الاقتصاد السياسي ومستشار البنك الدولي السابق بأن تكون الحكومة المصرية قد لجأت إلى "تعويم" الجنيه بناء على إملاءات من البنك المركزي مؤكدا بأن القرار جاء بإرادة مصرية بحتة، وأن صندوق النقد يقدم مجموعة من النصائح التي يمكن الأخذ به أو تجاهلها، كما حدث في عام 1991 عندما رفضت الحكومة المصرية تنفيذ خطة إصلاح طبقا لرؤية الصندوق، وظلت تهيئ الرأي العام لمدة عامين، رتبت فيها أوضاع الاقتصاد ونجحت إلى حد إبهار الصندوق "على حد تعبير أستاذ الاقتصاد".
 

وأضاف "د. عمرو صالح": أن تعويم الجنيه جاء من خلال قفزة قدرت بحوالي 40 بالمئة من السعر الرسمي وكان أولى أن يتم "التعويم تدريجيا" لأن هذه القفزة الكبيرة في سعر الصرف تضيف صدمة أخرى إلى سلسلة صدمات وجهها النظام للسوق المصري. إذا فقد لعب "السيسي" في أزمة "تعويم الجنيه" دور "لاعب الجمباز" الذي قفز مباشرة الى آخر الملعب، مع فارق أن "لاعب الجمباز" كان على استعداد تام وتدريب مسبق يأهله إلى الوقوف على قدميه بعد تلك القفزة اللولبية، بينما قفز "السيسي" قفزة أدت إلى كسر رقبة الاقتصاد المصري، أو كما يقال "قسمت ظهره"!. 
 

إلا أن كل المؤشرات الداخلية والخارجية تؤكد بما لا يعد للشك، بأن الشعب قد ضاق ذرعا وأنه عازم على القيام بثورة قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وبالعودة مجددا إلى نوايا النظام المصري وراء اتخاذه تلك القرارات الاقتصادية "الكارثيى" في هذا التوقيت الحرج، وهل الهدف من وراءها هو استفزاز الشعب ودفعه إلى المظاهرات؟ أم عدم الاكتراث لحال المواطنين واستبعاده القيام بأية مظاهرات نتيجة لانشغال الشعب بتأمين لقمة العيش؟ وحتى أكون منصفة لا بد وأن أطرح سؤالا بديهي لا بد وأن دار في رأس كل منا، إلا وهو "هل يعقل أن يكتب السيسي نهايته بيده؟" أو "هل النظام بهذا الغباء حتى يخطط هو بنفسه لاستدراج الشعب إلى ثورة تطيح به؟".
 

وللإجابة على هذه الأسئلة "المنطقية" وما شابهها، لا بد من التنويه إلى أن الأمر ليس بهذه الصورة ولا على هذه الشاكلة البسيطة والساذجة، أي أن "السيسي" لن يأخذ بيد الشعب المصري "المرفه" إلى الثورة في 11- 11، كما يأخذ الأب بيد ولده "المدلل" ليصحبه إلى المدرسة أو إلى رحلة! فالأمر بالطبع أعظم من هذا وأكبر بكثير، فزمام الأمور قد فلت "أو في طريقه للانفلات" من يد "السيسي" والنظام المصري برمته.
 

إضافة إلى أن "السيسي" يعي تماما بأن شعبيته في انخفاض حاد وتكاد تلامس الصفر إن لم تكن أقل، ولا أمل له بالبقاء في سدة الرئاسة بعد أن دمر مصر أو كما يقال "جاب درفها"، إذن ففي أفضل الأحوال -وعلى افتراض أن الشعب قد تحلى بالصبر والسلوان ولم يقم بثورة!- فلا فترة رئاسية جديدة ل "السيسي"، إلا أن كل المؤشرات الداخلية والخارجية تؤكد بما لا يعد للشك، بأن الشعب قد ضاق ذرعا وأنه عازم على القيام بثورة قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.
 

إذا فلا حل أمام "السيسي" سوى أن يرتدي بذلته العسكرية ويستعد لمواجهة الشعب فيما هو أت، وبدلا من أن يأخذ موقع الدفاع كما فعل الرئيس الأسبق "محمد مرسي"، فضل أن يكون في الهجوم، ويبدأ هو معركته خاصة وأن دول إقليمية وعالمية أوحت إليه بأنها حتما ستكون في ظهره في حال وقوع ما لا يحمد عقباه، فإسرائيل الحليف الأهم ل "السيسي" ليست ببعيدة عما يجري في مصر حاليا. 
 

بالتالي تفقد المظاهرات شرعيتها ويتحول الصدام من مواجهات بين المتظاهرين مع الدولة، إلى صدام ضد الإخوان، وهو الأمر الذي تم إشاعته فعليا عبر وسائل إعلام "السيسي"

إذن فقد بدأ " السيسي" استعداداته تحسبا لأي فعل شعبي قادم، وأول ما بدأ به فعليا هو توزيع الجيش، ونشره في أرجاء القاهرة وتعزيزه بقوات أخرى من الصاعقة والمشاة المتواجدة في الإسماعيلية والسويس وسيناء.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد صرح مصدر رفيع المستوى في جهاز الأمن "رفض ذكر اسمه": بأن هناك تعليمات صدرت بالفعل لقيادات الجهاز الأمني بسحب كافة الذخيرة الموجودة معهم، والتي تحمل اسم وجهة الصنع ومصدرها، واستبدالها بأخرى مجهولة المصدر! لاستخدامها في حال خرجت المظاهرات عن السيطرة، وإطلاق عيارات نارية عشوائي على المتظاهرين وإحداث إصابات في صفوفهم بهدف توريط المعارضة وعلى رأسها جماعة الإخوان واتهامهم باستخدام الأسلحة والذخيرة المجهولة المصدر، ومحاولة تصدير الصورة للرأي العام على أنها محاولة استغلال قام بها الإخوان على وجه التحديد لإثارة الفوضى وإحداث الوقيعة بين الجيش والشعب.
 

بالتالي تفقد المظاهرات شرعيتها ويتحول الصدام من مواجهات بين المتظاهرين مع الدولة، إلى صدام ضد الإخوان، وهو الأمر الذي تم إشاعته فعليا عبر وسائل إعلام "السيسي"، فقد أعلن المذيع " أحمد موسى" عبر برنامجه بأنه تم القبض على ثلاثة أشخاص ينتمون إلى جماعة الاخوان وبحوزتهم سلاح لاستخدمه في "ثورة الغلابة" في 11-11 بهدف زعزعت الأمن المصري الداخلي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.