شعار قسم مدونات

إلى صاحب الجلالة

Palestinian worshippers pray in front of the Dome of the Rock on the compound known to Muslims as Noble Sanctuary and to Jews as Temple Mount in Jerusalem's Old City August 4, 2013, during Lailat-Al-Qadr, or Night of Power, in which the Muslim holy book of Koran was revealed to Prophet Mohammad by Allah. REUTERS/Ammar Awad (JERUSALEM - Tags: RELIGION)

أَيُّهَا السيّد الأعلى، والصديقِ الأقرب، والحبيب المُحِب بلا شرط، أَيُّهَا السّلام في الحَرْب، والسكينةُ في العاصفة، يا سيّد الأكوان، وخادِم المُحبّين وفَهْم الحيارى ويقين الباحثين، إِلَيْك الله، المتعدد الأوصاف، المنقسَم عَلَيْك في الأحوال، الغالب على أمْرك بالحنان، الهامسِ في سمع الورد بالدّلال، صاحبُ الجلالة، الصّاحبِ في السّفر والأنيس في الحضَر، اللهم أطلبك في طور ضعفي قوّتك، وفي تقاسيمِ حيْرتي دلالتك، وفي أسوأِ عاداتي مغفرتك، أَيُّهَا الحبيب هبلي حكمتك على انفعالي، وهبلي حِلمك عند غضبي وفوراني، وهبْ من لدنك رحمة لي على قساواتي، واجعل من طريقك طريقي، ومن نورك نوري، ومن حضورك حضوري.
 

أَيُّهَا الماء الزّلال، والقطعة البهيجة من الحلوى والألوان، حينَ يعصفُ وجْدي، وأرى وردةً ويغيب فِكري ويصمتُ حرفي أسألك مزيدَ سرّك الذي لا يقال، ومكنونك الذي أظهرت بصيرةً وغيّبت عن الأبصار، فإنّي أضع خطوتي على قصدي، فحسّن قصدي، وصوّب فِعالي، فإنك المحيط بكل شيءٍ علما، أزلاً وبَعْدا، تباركت مُحِبّا، وتباركتَ حبيبا.
 

أقف عند العتَبة راجياً كرم الغنّي، فلطالما قلت في منحوتك السَّمَاوِي أن الصدقة للفقراء! أقفُ على العتبة متحليا ومنتشيا بجمال الإطلالة على بيت نبيّك ومسجده التي امتلأت أرضه بأقدام أهل النور والوجْد.

آتني على ضعفي ما تؤتيه الفقير المحتاج، وآتني على قوّتي ما تؤتيه العزيز المُختار، واجعل لي من نورك نورا أستضيء به أبد الآبدين، وإن لقيتني في الظّلمات فانتشلني، وكنْتُ لمّا التقيتُك في الظلمات قد مررتَ بجواري عطِرا، وكان أنفي مغْلقا، وحِسّي غائبا، فلا تجعل من انسداد حواسّي سدّا وحجابا، وكنت حين خلقت الوجود والعدم وأقررت الوصال والهجر، قد عرفوك كريما وشهدوا على حقيقتك ومن قَبْلُ وُدّك.
 

أعلم يا صديقي الجميل أنَّك تؤتي الناس على قدرها وسعيها إحقاقا وعدْلا، وقد بلغني أنَّك تُعطي المتعشّم فيك بلا سعي ولا قُوَّة، ولستُ أطلبك عطاءً بلا سعي وحركة، بل أسألك بوجه نورك وحنانة ذاتك ألا يحرمني الطّلبُ عن جمالات الثناء عليك وذكْر محاسنك وتعداد نِعمك، فلطالما كانت مُنية المُحِب الذِّكْر والذُّكران، ولطالما ارتجى المحبوب ولو خاطراً عابرا مسافرا كالبرق او أسرع من حبيبه.
 

إنني يا الله أقف على أعتاب مسجدِ وحدّ ما خطى فيه أحب خلقك الذي قال فيك أنك خليله على أبي بكر، أقف عند العتَبة راجياً كرم الغنّي، فلطالما قلت في منحوتك السَّمَاوِي أن الصدقة للفقراء! أقفُ على العتبة متحليا ومنتشيا بجمال الإطلالة على بيت نبيّك ومسجده التي امتلأت أرضه بأقدام أهل النور والوجْد.
 

أقف على العتبة مردداً ما تغنّيه العاشقة أم كلثوم "أين منّي مجلسٌ أنتَ به..!" وأُردف بقولها "وصفولي الصبر، لقيتوا خيال وكلام في الحُب يدوب ينقال.!" أقفُ وتحملني قدماي الظّافرة بلوغا إلى حدّ حبيبك، وأنا يا سيّدي وصديقي الجميل ينقسم قلبي وروحي بينكما وعليكما، وما أجَلَّ وأجمل!
 

قالوا أيها الإله الذي أحسك الآن أمامي، قالوا بأن مكة مليئة بالرهبة حين تُزار، وأن المدينة مليئة بالحنان حين تحضرها، فوجدتُ ما ذكره عالم الوجد الشّعراوي قائلاً أن سبب ذلك هو تجلّيك يا الله في مكة بالجلال، وفي المدينة بالجمال! تقف الآن أمامي وأحسّ بك ولا أكذبُ إن قلت إن خيالي الذي خلقت وأبدعت في محاولة على تصوّرك ورؤيتك، وقد قالوا إننا لسنا في مقام النظر حتى نُبصر جمالك وجمال مُحَمَّد، وأن كلّاً يَأْخُذ من الرؤية على قدْره، فهل لي أن أسألك بأن توسع قدْري وحظي فأحظى بشيء منك؟ عاد حبيبك من عنْدِك لما زارك في سدرة المنتهى، والتقته عائشة لهِفةً هل رأيته؟ فقال: وكيف أراه وهو النّور! فهل لي من هذا النّور؟ قليلاً من الحظ كثيره للواقفين على العتبة. 

أيها النبيّ الحبيب، أَيُّهَا الإله في مقام حضرتك وتمثّلك، حضراتِ الأقدام النّورانية التي خطت من هنا، حضرات الأرواح التي علا نظرها إلى الأزرق من السماء، السّادة أهل الكرم من العارفين أهل الحِكمة والوجد.. لقد كان الله أجمل الأقدمين، وأنظَر المتقدمين، وكان ما بينهما الحِل والجنان وأسارير البهجة والأكوان، فلله الحمد قديم اللطف واسع الفضل، السّابقِ بالجمال، المليء بالجلال، ولا نسأله في هذا المقام البهيّ إلا نظرةً من العينِ الرحيمة، فبها عافيتنا وبها اكتمال ذروة خلقنا، وفيها نغرق بلا عودة ونسافر بلا أدلّة، وحسبنا الحبيب دليلا، وحسبنا الحبيب عرفةٌ وعيدا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.